محمد شعبان: بالصبر والإيمان أنا متعايش مع السرطان

محمد شعبان : رجل خمسيني يبلغ من العمر 55 عامًا ، اعتاد طوال سنوات عمره السابقة اتباع نظامًا غذائيًا صحيًا مصاحباً لنظاماً رياضياً ، لديه مزرعة منزلية صغيرة يزرع بها أنواع مختلفة من الفواكه والخضروات، وذلك لما تحظي به هذه المزروعات من فوائد واسعة لصحته وصحة أسرته. فعلى سبيل المثال، يزرع محمد شجرة المورينغا بمزرعته ؛لما لها من فوائد طبية فهي تقلل نسبة السكر في الدم ولها تأثير مضاد للالتهابات والأكسدة

وصف محمد شهر مارس 2017 بأنه الوقت الذي “سقط فيه”، والذي بدأ بإمساك خفيف، ونسبه في وقتها إلى تناول الرمان؛ ولكن استمرت أعراض الإمساك لمدة 10 أيام، فقرر تناول أدوية مسهلة، لكن حالته لم تتحسن. وبدأ القيء في الظهور، وكان شديدًا مما أدى إلى شعوره بالإعياء والتعب الشديد. أدى تراكم كل هذه الأعراض إلى عدم قدرته على المشي، ومن ثم استدعى سيارة الإسعاف على الفور

أجري محمد الكثير من الفحوصات. فخضع للتصوير المغناطيسي والأشعة المقطعية، مما أوضح احتمال إصابته بسرطان القولون (المرحلة الثالثة). لم يتخيل محمد هذا التشخيص أبدًا، فجل ما جال في خاطره هو أن تعود هذه الأعراض إلى أمراضٍ عابرةٍ يمكن القضاء عليها بسهولة ولن تستمر أكثر من بضعة أيام .

انتقل إليه الخبر بأساليب على درجة عالية من الود واللطف، بعيدًا عن والديه كما طُلب. وبمجرد استماع محمد إلى التشخيص، تراءى في ذهنه على الفور الجراحة وما يتبعها من مضاعفات. كان شعبان مهيأً لمواجهة الصعوبات التي جلبها له مصيره فصاح قائلاً :”سرطان؟ لا يهمني ذلك” عندما سألته عما شعر به حين أخبره الطبيب عن حالته والتشخيص وكيفية إدارة المرض . أثبت “محمد” على أرض الواقع أن كل شخص لديه القدرة على التغلب على المرض فور تعلمه كيفية التعامل معه. كان “محمد” متواصل التفكير في المضاعفات التي يمكن تجنبها؛ فأحد هذه المضاعفات التي كان يرهبها هي وجود كيس القولون ، والذي يُوضع مؤقتًا حتى يُعاد الاتصال بين القولون والمستقيم. لقد كان محمدٌ قلقًا وجلاً من نظرة أصدقائه وعائلته إليه ومن وجود كيس خارجي للبراز. لقد ظن أن هذا قد يضعف صورته  أمام الجميع

. تواصلت المناقشات لفترات طويلة حتى قرر الطبيب أهمية التدخل الجراحي العاجل لأن المريض يعاني من انسداد في الأمعاء، مما قد يؤدي إلى عواقب مميتة. حاول الطبيب إدخال أنبوب ليتخلص من جميع السموم المتواجدة داخل البطن، لكنه لم يتمكن من ذلك.

 وفي ذات اليوم، وصل جراحٌ آخر إلى قطر واستُدعي إلى غرفة العمليات. صمم هذا الجراح على عدم مغادرة غرفة العمليات حتى يتمكن من إدخال الأنبوب. وصفه “محمد” بأنه هذا الطبيب من النوع الذي يثق ويؤمن بإرادة الله، فاستطاع إدخال الأنبوب دون أي مضاعفات على محمد. قال محمد “كانت جميع المضاعفات المترتبة على هذا الأمر كارثية لولا لطف الله وقدرته”، موقناً بأنه في طريقه إلى التحسن والشفاء.

استغرقت عملية إزالة السموم من جسده قرابة الساعة والنصف . شعر بعدها بتحسن وراحة. تم استئصال نسبة 80٪ من القولون والعقد الليمفاوية المحيطة.

وصف “محمد” هذه الأيام بأنها مثل رحلة تعبر خلالها الأطلسي وما به من مدٍ وجزرٍ ، ولكنها مرت بسلام وأمان في نهاية المطاف . ومع ذلك، ومع انتهاء هذه المعركة، نشأت معركة أخرى لاحقة، وهي رحلة العلاج الكيميائي. كانت أثار العلاج الكيميائي شديدة ومرهقة. عاني “محمد” من الإسهال ، وفقدان الوزن – حيث خسر 20 كجم. ومع ذلك ، شعر بالارتياح لأنه وصل إلى حالة من الفوز في معركته ضد السرطان ؛ الآثار الجانبية لم تكن مهمة لأنه اجتاز عاصفتين من عواصف السرطان ، وهما الجراحة والعلاج الكيميائي. كان يعلم أنه وصل إلى خط الفوز بإرادته. لم تتخلى أسرة محمد وعائلته وأصدقائه عنه خلال هذه الفترة، فكانوا على درجة ملحوظة من التفهم والرقي. على الرغم من شعورهم داخلياً بأن السرطان وصمة عار، إلا إنهم جميعاً تغيروا وتقبلوا الأمر ؛ لقد ازداد تقبلهم لمرض السرطان مع الوقت وأصبح – بالنسبة له – مماثلاً لأي مرض آخر يمكن علاجه، ينبغي على الجميع ألا يعتبر السرطان نهاية لحياة المرء.

أصيب “محمد” بفتق في البطن بعد ثمانية أشهر من الجراحة. سعى للعلاج واكتسب المزيد من القوة لمواجهة هذه المضاعفات الجديدة. فبحث عن العلاج البدني والنفسي معا. فهو “لم يفقد الأمل أبدًا”، استطاع “محمد” اجتياز هذه الرحلة المروعة وما استدعته من محاربة السرطان والتغلب على مضاعفاته.

كان السرطان “ضيفًا مباغتا”، ولكن مثل أي ضيف آخر، يستلزم منك تقديم واجب الضيافة والترحيب به. وبالتالي ينبغي للمرء – خلال هذه الرحلة – أن يتحوط بأسرته وأصدقائه الداعمين له ، فهم من يجلبون له مشاعر الفرح والسعادة ، وهم نفسهم من يعطون له القدرة على احتضان هذا المرض بدلاً من السماح له باستنزافه. لا تسمح لهذا المرض بالسيطرة على حياتك واعتباره مرضًا مميتًا، فالضربة التي لا تميت تقوي ، فالسرطان بداية لحياة جديدة وليس نهاية.

 انطلقت مبادرة “خطوة الأمل” بالتعاون بين الجمعية القطرية للسرطان والمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان ، والتي تهدف لدعم المتعايشين مع السرطان بشكل عام والتأكيد على أن السرطان يمكن الشفاء منه ويمكن للمرضى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، إلى جانب التأكيد على أهمية الدعم النفسي والمجتمعي لهذه الفئة لجعل فترة المرض وما بعدها أسهل، وكذلك أهمية إتباع نمط حياة صحي متمثل في ممارسة الرياضة والغذاء الصحي للوقاية من الأمراض لاسيما السرطان.

حيث قمت خلال هذه المبادرة بقطع حوالي 555 كم مشياً كمرحلة أولى ومن ثم استكمال الجولة لقطع 2022 كم كهدف لاحق وتم اختيار هذا الرقم بمناسبة استضافة قطر لمباريات كأس العالم 2022 حيث اسعى إلى قطع ما يقرب من 25 كم يومياً بمعدل خمس ساعات

. وأود التأكيد بأن هذه المبادرة فرصة لتعزيز دور النشاط البدني في الوقاية من الأمراض لاسيما السرطان تماشيا مع رؤية الدولة 2030 للارتقاء بصحة الإنسان ، إلى جانب التأكيد على العلاقة الوثيقة بين السرطان والحالة النفسية والتي قد تسهل أو تمنع العلاج. وفي الختام، أود أن أوجه شكري وامتناني للجمعية القطرية للسرطان لتبنيها لخطوة أمل التي تعتبر المبادرة الأولى من نوعها في العالم، ولكل ما يبذلونه من جهد ودعم متواصل.

Read more...

سامي : أخبرت عائلتي بمرضي بعد الشفاء

سأروي لكم حكايتي مع السرطان الذي منحني فرصة جديده للحياة بعد تجربة مريرة بكل ما فيها من صعاب، لعل حكايتي تكون نقطة تحول لمريض فقد القوة والإرادة وأنهكه المرض والعلاج، وأكون سبباً في إعطاءه الأمل في الشفاء.

أنا اسمي سامي من الأردن ، انتقلت الى الدوحة في عام 2016 ومعي الأمل والخطط للبدء بمشروعي الخاص وتحسين الظروف المادية والاجتماعية لأولادي وعائلتي، حيث كنت الأب الحنون والمسؤول عن سعادة عائلتي، وكنت رياضي لا أدخن ومهتماً بصحتي.

   بعد فترة من وصولي إلى الدوحة بدأت أشعر بتغير في نظر عيني اليمنى ورغم أن الفحوصات الخارجية للعين لم توضح السبب في ذلك! إلا أنه تم أجراء أشعة أم أر أي للدماغ.

وهنا كانت الصدمة الأولى حين تبين أن السبب المؤثر على نظري هو وجود بعض الأورام في الدماغ ، ثم أكتشف لاحقاً انتشاره في أعضاء مختلفة من جسمي وهي الكبد والغدة الكظرية والرئة والعمود الفقري وبدأ الكابوس المرعب .

لحظتها لم تعد قدماي تقوى على حملي، لم أتوقع يومًا أنى سأبدأ بحساب عدد أيامي المتبقية في الدنيا ولم أتخيل نفسي يومًا طريح الفراش في انتظار الموت.

أخدتني الأفكار بعيداً عن كل شيء في حياتي ، أهلي وأولادي وعملي ، فأنا بالدوحة  بمفردي ، هل أستسلم للمرض وللموت بهذه البساطة ؟ هل أفتح الباب بكل سهولة لذلك اللعين لينهش في جسمي وقدرتي على الحياة؟ .

لم ارى أمامي في تلك الأيام إلا الموت والذي لم يغب عن فكري، فأتعبني جداً هذا الشعور، حتى استوقفت نفسي وسالتها، لماذا التفكير في الموت وأنا لا ازال على قيد الحياة!  لذلك قررت أن أقاوم وأعيش وأتعايش وأبعد تفكيري عن هذا الشعور بأن حياتي قاربت على الانتهاء وسأحتفظ بهذه المأساة بداخلي، سأخفيها عن أهلي فلا أريد أن أحملهم فوق طاقتهم أو أشعرهم بأي ألم أو حزن لمعرفتهم بمرضي، لذلك قررت أن أتركهم لحياتهم ودراستهم. وحتى زوجتي فلديها أعبائها ومسؤولياتها مع الأولاد ورعايتهم.

بدأت رحلة العلاج الإشعاعي ثم الكيماوي وما أدراكم ما الكيماوي وأثاره السلبية على جسمي ونفسيتي , هذيان ، ضعف ، التهاب ، إسهال ، اكتئاب وغيره من كل الأثار الجانبية الشديدة

وبدأ التغير يظهر على وجهي وجسمي من الكورتيزون والإشعاع ، وبدأت الأسئلة تتزايد على وجوه المحيطين بي في عملي، وبدأ يقل مجهودي وقدرتي على العمل وبدأ الجميع يعرضون مساعدتهم، لكن قراري كان هو عدم إخبار أحد ، ولن أتراجع عنه ، ورفضت كل المساعدات ولم أتوقف عن العمل ، بالرغم ما كنت أعانيه من إرهاق  وألم و، تحملت المكتوب بكل حب وقناعة  ، وأن أرادة الله فوق كل شيء .

استمر العلاج الكيماوي فترة من الزمن، وكانت تحلو لي فترة بقائي في المستشفى رغم ما كنت أعانيه ،  ولكن كنت أجعل هذه الفترة فرصة لخلق جو من الاستمتاع والهدوء ،  فكنت أجلس في حديقة المستشفى في الهواء الطلق وأتبادل أطراف الحديث مع الممرضين وباقي المرضى وكنت أحمد الله أن المركز كان خالٍ من أي أطفال مرضى لأنى لا أتحمل رؤية طفل مريض فما بالك لوكان مريض بالسرطان ؟ وأنا أعرف كم  صعبة المعاناة.

استمريت في العلاج بصبر وجهد وكنت أقاوم وأقاوم ، وبدأت في الانتصار وبدأ يتراجع المرض بفضل الله وبدأت التحاليل تظهر نتيجة إيجابية بعد مرحلة العلاج الكيماوي ، وبعدها بدأت مرحلة العلاج المناعي وبدأ الخير يظهر ، والأمل يتحقق ، وتدب الحياة والقوة مرة أخرى في جسدي المتعب  الذى أنهكه العلاج ، نعم أنهكه لكنه لم ينتصر عليه ، وبدأ التفاؤل .

كل هذا تم دون أن أخبر أحداً من أفراد عائلتي ، تحملت بنفسي  القدر الكبير من التعب الجسدي والنفسي.

وخلال تلك الفترة بدأت تنفذ مني كل الأعذار بعدم سفري لبلدي وأهلي ، كما كان في السابق خاصة في الأعياد والمناسبات  ، وبدأت زوجتي تشعر أنني في حالة من التغير فاضطررت ان اصارحها بحالتي وبكل ما حدث ، لم تتوقع أن أكون أنا والموت على مسافة قريبة .

طلبت منى زوجتي أن أعود فوراً ولكني رفضت ، وطلبت منى أن تترك هي كل شيء وتأتى لي فرفضت وأقنعتها بضرورة بقاءنا على نفس الوضع واستمراري في العلاج ، وتستمر هي في رعاية الأولاد واستمرار الحياة ، بقي الحال في التطور إلى الأفضل بفضل الله ثم المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان

ونصيحتي هنا لكل من يصيبه هذا المرض بالالتزام بالعلاج ولا يفقد الأمل ولا يلتفت إلى النصائح الأخرى التي يعتقد الأخرون أنها تشفى من السرطان .

وبعد تحقيق نتيجة جيده جدًا في العلاج المناعي ـ قل تواجدي في المركز، وتماثلت للشفاء بصورة كبيرة وبعد مدة بسيطة سافرت لزيارة أهلي وأخبرت الجميع خاصة أمي ، ولكنى طمأنتها بأني أتعالج وفي ايدي أمينة وبأنه أفضل كثيرًا من أن أكون في أي مكان أو بلد أخر.

في هذا الوقت قررت وضع نقطة نهاية لهذا السطر من حياتي ، وأبدأ من جديد سطر وصفحة أخرى مشرقة ، خرجت من تلك التجربة إنسان ولد من جديد بعد الشفاء ، وتجددت نظرتي للحياة، فأصبح للوقت والأيام  قيمة أكبر ،وأن الثقة في الله مع  العزيمة والإرادة والرغبة في الحياة هي السبيل الى الشفاء ، وألا نفكر بالموت طالما نحن على قيد الحياة. .

Read more...

أليسون استون: مسحة عنق الرحم كانت سبباً في شفائي

اسمي أليسون ستون، حاصلة على درجة الدكتوراه في الميتافيزيقيا، واسم الشهرة /الدكتور ة أليسون ستون. جئت إلى قطر لافتتاح مركز لرفاهية السيدات والسبب الذي دعاني لذلك هو إصابتي بسرطان عنق الرحم عندما كنت في الثلاثين من عمري. ولذاك السبب فإنني أعزو نجاحي اليوم في حياتي إلى تلك الحادثة التي وقعت منذ عدة سنوات. تجاوزت رحلة السرطان منذ 27 عامًا وأدرك كم تغيرت حياتي إلى الأفضل خلال تلك الفترة، وفي السطور القادمة ملخص موجز عن رحلتي:

 تزوجت في سن 18 وُزقت بطفلين ، عندما كنت حاملاً في طفلي الثالث، ذهبت لإجراء فحص روتيني فاكتشف الأطباء وجود تليفات سرطانية، ومن أفضل الأشياء التي أحمد الله على وجودها في المملكة المتحدة أنه في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت مسحات عنق الرحم متاحة للنساء: ولكنها لم تكن إلزامية، ولم يكن هناك تشجيع مجتمعي عليها بالرغم من كونها متاحة، وبعد ولادة ابنتي الأولى أجريت هذه المسحة وأيضاً بعد ولادة ابنتي الثانية، لذلك أنضح كل السيدات بإجراء هذه المسحة دورياً والتي لولاها لم أكن معكم هنا اليوم.

 يعتبر سرطان عنق الرحم الذي أصبت به من أشرس أنواع السرطانات، ونظرا لأنني كنت حاملاً في ذلك الوقت. ذهب السرطان إلى العقد الليمفاوية، وعندما جاء موعد ولادتي كنت قد وصلت إلى المرحلة الرابعة، لذلك أنا أولي اهتمامًا شديدًا بالحفاظ على صحة المرأة.

قررت بسبب هذه التجربة، أن أعيد النظر في حياتي وأن أحافظ عليها. إن تجربة الجراحات والعلاجات التي تمر بها تؤثر عليك تأثيراً عميقاً، ولكني أعتقد أن الخوف أعمق كثيراً من هذه التأثيرات، فالخوف الذي واجهته منذ سبعة وعشرين عاماً لا يمكن نسيانه أبداً. ولكني الآن عندما أتعرف على مجتمعات مثل الجمعية القطرية للسرطان، أعجب بها أشد الإعجاب لأن النساء يجدن في مثل الجمعيات الدعم المطلوب. لوكنت حظيت بشيء مشابه عندما أصبت بالسرطان فلربما كانت أموري تغيرت كثيراً واختلفت رحلتي في الحياة.

عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، ومثلي كأي أم ، لم أكن أعرف معنى سرطان عنق الرحم. ففي ذلك الأوقات لم يكن الأطباء يعلمون أن فيروس الورم الحليمي البشري هو السبب في سرطان عنق الرحم؛ فهذه المنطقة من جسد المرأة كان ممنوع التحدث عنها ,  أتذكر في اليوم الرابع بعد الجراحة – بعد 14 ساعة من الجراحة – بدأت في البكاء. وأتذكر أن الممرضة حضرت إلينا لتقول: “أوقفن البكاء هناك أناس أسوأ حالاً منكن”. أتذكر أنني لم أتكلّم مرة أخرى أبداً. لم أكن قد تحدثت أبداً عن الألم الذي أحسست به، بل لقد امتصصت الألم ولم أحرك ساكناً بعدها. كان من المستحيل التحدث عن هذا النوع من السرطانات بطلاقة، أتعجب الآن عندما أفكر أن الأمر استغرق حوالي 10 أو 15 سنة حتى أصبح التحدث عنه سهلاً. والآن وبعد أن أصبح لدينا علاج كيماوي يسقط الشعر فإننا أصبحنا نحتفي به وهو أمر طيب، وأعتقد أن وسائل الإعلام الاجتماعية ساعدت في هذا الأمر والتي تشكل وسيلة هامة  يمكن للناس من خلالها أن يتحدثوا عن تجاربهم الخاصة. ورفع الوعي المجتمعي.

لقد اخترت السيطرة على حياتي، فسلكت مساراً روحياً ـ لا أنكر أنني كنت خائفة، ولكني أظن أن تعلم بعض الأشياء مثل التأمل والتعرف على جسدك يمنحك شعوراً بالسيطرة. ، لأنه عندما يتم تشخيص إصابتك ويقول الطبيب “أنت مصاب بالسرطان، في المرحلة الرابعة، وهذا أمر خطير” ـ فأنت تسلم كل شيء إلى الأطباء، ينتابك شعور باليأس، وترى أنك الآن تحت رحمة الناس الذين يقولون لك: “عليك إجراء هذه الجراحة، عليك أن تحصل على هذا العلاج الكيميائي، عليك أن تحصل على هذا العلاج الإشعاعي” ولكنك ما زلت لا تعلم ما هذا المرض.

من هنا يأتي دور مجموعات الدعم ، حيث بدأ الأطباء في إدراك حقيقة مفادها  ” أن المرضى يحتاجون إلى بعض الرعاية العاطفية”  ، ففي حالتي كمريضة لست فقط شخصاً يجري عملية جراحية ويفحص علاماته الحيوية، أنا مريضة أمر بمرحلة غيرت حياتي تماماً  ، تم استئصال الرحم – وصرت في مواجهة حقائق واقعية شديدة الألم؛ فلن أنجب أطفالاً مرة أخرى، قد أموت وأترك أطفالي، زوجي قد يهجرني ويبتعد عني للأبد، هناك ندوباً في كل مكان ــ لم يعالج أحد هذه الحقيقة، ولم يمد أحد يده لي بالمساعدة. كانت الأمور والظروف قاسية للغاية  مثل  ” لا تتحدثي عن السرطان ” ، لذلك  ينبغي لك أن تكون ممتنة لكونك ما زلت على قيد الحياة والآن أشعر أن الناس يمكنهم الحديث عن تجربة السرطان، بل ويمكنهم معالجتها، وأعتقد أن الفرق في قطر, أن الجميع كانوا ممتنعون عن التعبير عن كلمة السرطان. وخاصة نساء الشرق الأوسط اللأتي يضعن أطفالهن في المقام الأول من حياتهن، ولذلك كن لا يرغبن في الاعتراف بمرض السرطان أو التعبير عنه..

 لقد خاطبت مجموعة من سيدات الشرق الأوسط منذ 12 سنة وحاولت إقناعهن بالحصول على فحص للثدي واختبارات مسحة عنق الرحم ، فكان الرد دائماً أنهن لن يفعلن ذلك لأنهن لا يردن أن يعرفن ويرجعون الأمر إلى القدر والابتلاءات التي يمر بها الانسان   وفي أي من الحالتين يشعرن بأنه ليس بوسعهن منع هذا القدر ويجب الرضا به وتقبله. ولكن جيل نساء اليوم بات مختلفاً، فصرن يقولن: بوسعنا أن نفعل شيئاً حيال ذلك، وخاصة الناجين. أصبحن يستخدمن بعض المصطلحات الجديدة مثل الناجيات من السرطان، كما أنهن هجرن بعض الكلمات مثل “وفاة نتيجة الإصابة بالسرطان” ليستبدلنها بعبارة “رحلة السرطان”، “التغيير”، “القوة”، “تغيير نمط الحياة”   وتوجهن أكثر للكلمات الإيجابية والابتعاد عن الموت والهلاك.

من أكثر المواقف التي مرت بي وما زالت محفورة في ذاكرتي هو أنني بعد التشخيص الأولي الذي قمت به، رجعت إلى البيت بصحبة زوجي، وحين أخبرته، رأيت نظرة الخوف في عينيه، وعندها أغلقنا الحديث في هذا الموضوع. أتذكر أنهم قالوا لابد من إنهاء الحمل، لأن الحمل من شأنه أن يزيد من الإصابة بالسرطان، وأتذكر أنني فكرت، “ماذا أفعل؟”. ما هو التصرف الصحيح؟  هذه هي الفرصة الأخيرة لإنجاب طفل لأني سأجري استئصال الرحم فيما بعد. ماذا أفعل؟  ومرة أخرى أنظر إلى وجه زوجي وعجزه عن الرد عليّ ولم أخبر أحداً.  حملت هذا العبء وحدي، مع يقيني بأنه قد يؤدي بي إلى الهلاك. حتى أنني لم أستطع أن أتحدث عن حقيقة إنهاء حياة طفلي أو عدم إنهائها، لأنني لم أكن أريد أن أتواصل مع أي شخص، لم أكن أريد أن أرى الخوف في أعين الآخرين. ففي تلك الأيام، عندما تقول كلمة سرطان، يقابلك الأخرين دائماً بالصمت. ولذلك لم أخبر أمي أو أي شخص إلا بعدما أنهيت كافة الجراحات. وبالطبع عندما كنت في المستشفى

 بدأ الناس في القدوم لزيارتي. وأنا أجاهد مع نفسي للتحلي بالشجاعة والقضاء على مخاوفي، لأن الخوف الذي رأيته في أعين الآخرين ينعكس على مكنون قلبي. ولكن مع مرور الوقت والانتهاء من العملية أدركت أن الصمت أنقذني على نحو ما، كنت اتحدث كثيراً إلى نفسي، وأصمت عن الحديث حول السرطان مع الآخرين، لأتظاهر أن كل الأمور على ما يرام، وأنني أتطلع دائماً إلى الأمام. ، وفي الليل عندما أخلد إلى نفسي أو أذهب إلى الخلاء أشعر بالحاجة إلى الصراخ.. البكاء…النحيب.

لم أستطع إخبار أي شخص عن مرضي بالرغم أنني قضيت في المستشفى ستة أو سبعة أسابيع تقريباً. وعندما خرجت من المستشفى، طلبت من أمي أن تتولى رعايتي، ولذلك كان علي أن أخبرها بمرضي. لم أخبر بناتي قط حتى بلغن الثامنة عشرة . لم أكن أريد لهم أن يخافوا علي من الموت. ولم أكن أريد أن أزرع هذا الخوف بداخلهم ،  كنت أنا من منعت نفسي عن إخبارهم. كنت دائما ألتمس لنفسي العذر بأنهم لم يبلغوا من العمر ما يكفي، ولم أكن أريد أن أراهم مذعورات، ولكنني في الوقت نفسه كنت أريد منهم أن يتحلوا بروح المبادرة في فحص السرطان، وهذا كان من أكثر التحديات التي واجهتها في حياتي. ، كان يتحتم على إخبارهم. خضعت بناتي للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي، ويذهبن بانتظام لعمل مسحة عنق الرحم وما أدركته هو أنني لو كانت لدي الشجاعة الكافية للتصدي لهذا الأمر في وقت سابق، لجعلتهن يخضعن للمسحات في وقت مبكر، ولكن ما يهمني هو أن أتناقش وأتحاور معهن حول السرطان في وقت سابق وهو ما فعلته في نهاية المطاف. أعلمتهن أخيراً  بالأمر ورأيت أنهن غير خائفات., أعتقد أن ذلك يرجع لنعمة الانتظار، فهم يروني الآن بعد 22 عاماً شخص نشط يتمتع بصحة جيدة، والآن يفهمن حاجتي وما أطلبه منهن لأخذ خطوات استباقية. أما بالنسبة للآخرين؛ فقد فقدت الاتصال مع عدد قليل من الناس بعد مرضي ،  أظن أن بعض صديقاتي كن خائفات ، لأنني كنت شابة وصحيحة جسدياً إلى حد كبير. كان هذا هو الأمر الرئيسي لم أكن شخصاً مريضاً. كنت سليمة جسدياً وأولادي أصحاء جداً.

ولكن ما فعلته تجربة المرض بالنسبة لي مهد لي طريق حياتي الذي سلكته منذ ذلك الوقت. فالخيارات التي قمت بها في مجال التطوير والتنمية الذاتية والمهنية يرجع أساسهم إلى التجربة التي مررت بها والرحلة التي خضتها. فهي ما دفعتني إلى دراسة الدكتوراه في الميتافيزيقيا، فأنا منذ ذلك الحين حريصة جداً على تعلم علم الوراثة اللاجيني، لأن هذا العلم يساعدك على الفهم الكامل للخلايا الجسدية، كما أنه يعلمك أن الخلايا ما هي إلا انعكاس لبيئتك وليس الحمض النووي فقط، ولهذا السبب تتغير الجينات الوراثية. ، إن الخوف المزمن وعدم الاعتناء بالنفس، يؤثران على جيناتك وهو أمر مخيف ولذلك عليك أن تنتبه  ، عليك أن تؤمن وتقتنع بأنك قادر على تغيير بيئتك إلى الأفضل. لابد وأن تدرك أن أهمية هذه البيئة الداعمة ، واستبدال الخوف بما يقدموه لنا من دعم ومساندة. لأن الخوف شديد السمية، وقد يؤثر علي جسدك ويؤذيه. بل ربما يصل الأمر إلى الجينات.

عندما ذهبت لإجراء الجراحة، كنت شجاعة ولا اهاب المرض. أخذت نفساً وذهبت إلى هناك وأنا أحدث نفسي بأنني قوية وشجاعة وسأجتاز هذا الزائر الكريه. أعتقد أن الجانب الروحي للمرض هو الإيمان، ومدى قوته لدى الشخص، وكيف يمكن للإيمان أن يكون مصاحباً للمريض طوال فترة علاجه.

لقد جعلني المرض شخصاً أفضل فقد أوضح لي ما دوري وهدفي في الحياة ـ عندما أنظر إلى كل الأشياء التي كنت أخطط لها قبل إصابتي بالسرطان، أجدها تغيرت عبر تلك السنوات، لأجعل حياتي مكرسة للرعاية والطب الوقائي. ومن ثم حصلت على درجة البكالوريوس في الطب البديل. بعد أن كنت ربة منزل وأم لثلاثة أطفال – من كان ليتصور ذلك؟ درست علم الأيورفيدا في الهند. من كان يظن أن ربة منزل كانت لتفعل ذلك؟ بوسعي أن أتطلع إلى الوراء لكي أرى أن كل شيء قمت به دون خطة قادني إلى الحصول على درجة الدكتوراه، وإلى التواجد في قطر لبناء مركز طبي يهتم بصحة المرأة،، وأخيراً و بعد 27 عاما استطعت رواية قصتي على الأخرين ومشاركتها معهم.

حتى في السنة الخامسة التي كنت فيها خالية من السرطان، كنت أتعرق وينتابني الأرق، وأفكر ماذا لو عاد السرطان؟ المثير للاهتمام أنك لا تفعل ذلك مع أي مرض آخر. إن كل المصطلحات التي نستخدمها تصف هذا المرض بأنه وحش، وبمجرد أن تكون في قبضته فإنه يستحوذ عليك، ولكن إذا كان بوسعنا أن نغير الحوار ليكون “كم تبدو نشيطاً وقوياً اليوم” أو “إن خلاياك الدموية رائعة اليوم”. إذا ما بدلنا أساليبنا في التعامل مع السرطان واجتهدنا في صياغة مفردات إيجابية جديدة، كأن نقول “دعونا نرى ما إذا كان بوسعنا أن نضيف قائمة للأعمال التي سنجريها في الأعوام الثلاثة القادمة الخالية من السرطان”، قد تكون هذه محادثة مختلفة تماماً حول المرض، بدلاً من أن تقول “دعونا نرى ما إذا كان قد عاد” أو “دعونا نرى ما إذا كنت  خاليا من السرطان”

أرى أنه من المهم لمهنة الطب أن تعيد صياغة الطريقة التي تتحدث بها عن السرطان مع المرضى. فتغيير عبارات مثل “أنا آسف للغاية، ولكن لا بد من قدومك إلى المركز الصحي…” أو “لن نتصل بك إلا إذا كان هناك مشكلة صحية ما” ــ أو نغير بعض العبارات التي يسمعها  المريض مثل: “سنهاتفك  إذا كنت مصاباً بالسرطان، لأن هذه النوعية من العبارات تزيد من القلق والاضطراب أثناء ساعات الانتظار. إذا مررت بتجربة فحص إيجابية، سيكون من السهل عليك معاودة الفحص مرة أخرى. بدلاً من إخبار المرضى “بأنهم لن يظلوا على قيد الحياة أكثر من شهرين”، لماذا لا نخبرهم بأن النظام الطبي سيبذل قصارى جهده لإرسالهم إلى بيتهم ويدفعهم إلى التركيز على نوعية حياتهم، ونظامهم الغذائي.

Read more...

: محمد مولود: تجاوزت الصعاب بدعم أسرتي والفريق الطبي

كانت حياة محمد مولود تسير بشكل طبيعي إلى أن لاحظَ بعض الأعراض الغريبة التي اكتشفها بالصدفة. بعد أن أجرى جميع التحاليل والفحوصات اللازمة، فقام بعمل منظار وأظهرت النتائج إصابته بسرطان المستقيم، وكانت الخطوة التالية هي إجراء عملية لإزالة الورم. لم يكن لدى محمد أي انطباعات سابقة عن مرض سرطان المستقيم مما جعله يستقبله كأي مرض يصيب أي إنسان. بالإضافة إلى ذلك كان إيمانه بالله وتوكله عليه سبباً في تلقيه الخبر بدون أي مخاوف من المستقبل، ورغم شدة الألم الذي أصابه في العملية، إلّا أن عائلته كانت مصدراً كبيراً للدعم بالنسبة له، وخاصةً أخته.

 قام محمد بأخذ إجازة من العمل الخاص لمدة سنة لكي يتلقى العلاج الكيماوي الذي واجه معه عدة أعراض مثل الإنهاك والفتور وانعدام الشهية وبعض الآلام البسيطة مما أدى إلى خسارته لعمله. ولكن ما يشعره بالراحة الآن هو إتمامه لمعظم جلسات الكيماوي، وبقاء جرعة واحدة فقط لإكمال العلاج مما سيجعله قادراً على البحث عن وظيفة جديدة قريباً.

ويتلقى محمد العلاج الكيماوي والإشعاعي من خلال الجمعية القطرية للسرطان التي تواصل معها عن طريق مستشفى حمد العام. ووصف محمد أنه بالإضافة إلى العلاج، فإن ما تلقاه من الفريق الطبي من الدعم النفسي أثّر بصورة إيجابيّة على صحته وساعده في تجاوز المصاعب التي واجهها. وخلال وصفه لرحلته، ذكر أن أجمل ما خرج بِهِ من تلك التجربة هو الصبر الذي تعلمهُ خلال فترةِ تلقي للعلاج الكيماوي والإشعاعي، وأكثر ما ينصح به كل من يمر بنفس التجربة هو الالتزام بالعلاج ومواصلته، ومواجهة الأعراض الجانبية بدون خوف لأنها مؤقتة وتزول مع الوقت. وأوضح أن أفضل الأشياء التي ساعدته على مواجهة السرطان هي الصلاة وتلاوة ورد من القرآن الذي وصفه -كما ورد بسورةِ الإسراء- أنه شفاء للناس.

Read more...

محمد شعبان: بالصبر والإيمان أنا متعايش مع السرطان

محمد شعبان, رجل خمسيني  يبلغ من العمر 55 عامًا ، اعتاد طوال سنوات عمره السابقة اتباع نظامًا غذائيًا صحيًا مصاحباً لنظاماً رياضياً ، لديه مزرعة منزلية صغيرة يزرع بها أنواع مختلفة من الفواكه والخضروات، وذلك لما تحظي به هذه المزروعات من فوائد واسعة لصحته وصحة أسرته. فعلى سبيل المثال، يزرع محمد شجرة المورينغا بمزرعته  ؛لما لها من فوائد طبية فهي تقلل نسبة السكر في الدم ولها تأثير مضاد للالتهابات والأكسدة.

وصف محمد شهر مارس 2017 بأنه الوقت الذي “سقط فيه”، والذي بدأ بإمساك خفيف، ونسبه في وقتها إلى تناول الرمان؛ ولكن استمرت أعراض الإمساك لمدة 10 أيام، فقرر تناول أدوية مسهلة، لكن حالته لم تتحسن. وبدأ القيء في الظهور، وكان شديدًا مما أدى إلى شعوره بالإعياء والتعب الشديد. أدى تراكم كل هذه الأعراض إلى عدم قدرته على المشي، ومن ثم استدعى سيارة الإسعاف على الفور.

 أجري محمد الكثير من الفحوصات. فخضع للتصوير المغناطيسي والأشعة المقطعية، مما أوضح احتمال إصابته بسرطان القولون (المرحلة الثالثة). لم يتخيل محمد هذا التشخيص أبدًا، فجل ما جال في خاطره هو أن تعود هذه الأعراض إلى أمراضٍ عابرةٍ يمكن القضاء عليها بسهولة ولن تستمر أكثر من بضعة أيام.

انتقل إليه الخبر بأساليب على درجة عالية من الود واللطف، بعيدًا عن والديه كما طُلب. وبمجرد استماع محمد إلى التشخيص، تراءى في ذهنه على الفور الجراحة وما يتبعها من مضاعفات. كان شعبان مهيأً لمواجهة الصعوبات التي جلبها له مصيره فصاح قائلاً :”سرطان؟ لا يهمني ذلك” عندما سألته عما شعر به حين أخبره الطبيب عن حالته والتشخيص وكيفية إدارة المرض . أثبت “محمد” على أرض الواقع أن كل شخص لديه القدرة على التغلب على المرض فور تعلمه كيفية التعامل معه. كان “محمد” متواصل التفكير في المضاعفات التي يمكن تجنبها؛ فأحد هذه المضاعفات التي كان يرهبها هي وجود كيس القولون ، والذي يُوضع مؤقتًا حتى يُعاد الاتصال بين القولون والمستقيم. لقد كان محمدٌ قلقًا وجلاً من نظرة أصدقائه وعائلته إليه ومن وجود كيس خارجي للبراز. لقد ظن أن هذا قد يضعف صورته وسمعته أمام الجميع.

تواصلت المناقشات لفترات طويلة حتى قرر الطبيب أهمية التدخل الجراحي العاجل لأن المريض يعاني من انسداد في الأمعاء، مما قد يؤدي إلى عواقب مميتة. حاول الطبيب إدخال أنبوب ليتخلص من جميع السموم المتواجدة داخل البطن، لكنه لم يتمكن من ذلك. وفي ذات اليوم، وصل جراحٌ آخر إلى قطر واستُدعي إلى غرفة العمليات. صمم هذا الجراح على عدم مغادرة غرفة العمليات حتى يتمكن من إدخال الأنبوب. وصفه “محمد” بأنه هذا الطبيب من النوع الذي يثق ويؤمن بإرادة الله، فاستطاع إدخال الأنبوب دون أي مضاعفات على محمد. قال محمد “كانت جميع المضاعفات المترتبة على هذا الأمر كارثية لولا لطف الله وقدرته”، موقناً بأنه في طريقه إلى التحسن والشفا، استغرقت عملية إزالة السموم من جسده قرابة الساعة والنصف . شعر بعدها بتحسن وراحة. تم استئصال نسبة 80٪ من القولون والعقد الليمفاوية المحيطة.

وصف “محمد” هذه الأيام بأنها مثل رحلة تعبر خلالها الأطلسي وما به من مدٍ وجزرٍ ، ولكنها مرت بسلام وأمان في نهاية المطاف . ومع ذلك، ومع انتهاء هذه المعركة، نشأت معركة أخرى لاحقة، وهي رحلة العلاج الكيميائي. كانت أثار العلاج الكيميائي شديدة ومرهقة. عاني  “محمد” من الإسهال ، وفقدان الوزن حيث خسر 20 كجم. ومع ذلك ، شعر بالارتياح لأنه وصل إلى حالة من الفوز في معركته ضد السرطان ؛ الآثار الجانبية لم تكن مهمة لأنه اجتاز عاصفتين من عواصف السرطان ، وهما الجراحة والعلاج الكيميائي. كان يعلم أنه وصل إلى خط الفوز بإرادته.

لم تتخلى أسرة محمد وعائلته وأصدقائه عنه خلال هذه الفترة، فكانوا على درجة ملحوظة من التفهم والرقي. على الرغم من شعورهم داخلياً بأن السرطان وصمة عار، إلا إنهم جميعاً تغيروا وتقبلوا الأمر ؛ لقد ازداد تقبلهم لمرض السرطان مع الوقت وأصبح بالنسبة له – مماثلاً لأي مرض آخر يمكن علاجه، ينبغي على الجميع ألا يعتبر السرطان نهاية لحياة المرء.

أصيب “محمد” بفتق في البطن بعد ثمانية أشهر من الجراحة. سعى للعلاج واكتسب المزيد من القوة لمواجهة هذه المضاعفات الجديدة. فبحث عن العلاج البدني والنفسي معا. فهو “لم يفقد الأمل أبدًا”، استطاع “محمد” اجتياز هذه الرحلة المروعة وما استدعته من محاربة السرطان والتغلب على مضاعفاته.

 كان السرطان “ضيفًا مباغتا”، ولكن مثل أي ضيف آخر، يستلزم منك تقديم واجب الضيافة والترحيب به. وبالتالي ينبغي للمرء خلال هذه الرحلة – أن يتحوط بأسرته وأصدقائه الداعمين له ، فهم من يجلبون له مشاعر الفرح والسعادة ، وهم نفسهم من يعطون له القدرة على احتضان هذا المرض بدلاً من السماح له باستنزافه. لا تسمح لهذا المرض بالسيطرة على حياتك واعتباره مرضًا مميتًا، فالضربة التي لا تميت تقوي ، فالسرطان بداية لحياة جديدة وليس نهاية.

 انطلقت مبادرة “خطوة الأمل” بالتعاون بين الجمعية القطرية للسرطان والمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان ، والتي تهدف لدعم المتعايشين مع السرطان بشكل عام والتأكيد على أن السرطان يمكن الشفاء منه ويمكن للمرضى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، إلى جانب التأكيد على أهمية الدعم النفسي والمجتمعي لهذه الفئة لجعل فترة المرض وما بعدها أسهل، وكذلك أهمية إتباع نمط حياة صحي متمثل في ممارسة الرياضة والغذاء الصحي للوقاية من الأمراض لاسيما السرطان.

حيث قمت خلال هذه المبادرة بقطع حوالي 555 كم مشياً كمرحلة أولى ومن ثم استكمال الجولة لقطع 2022 كم كهدف لاحق وتم اختيار هذا الرقم بمناسبة استضافة قطر لمباريات كأس العالم 2022 حيث اسعى إلى قطع ما يقرب من 25 كم يومياً بمعدل خمس ساعات.

وأود التأكيد بأن  هذه المبادرة فرصة لتعزيز دور النشاط البدني في الوقاية من الأمراض لاسيما السرطان  تماشيا مع رؤية الدولة  2030 للارتقاء بصحة الإنسان ، إلى جانب التأكيد على العلاقة الوثيقة بين السرطان والحالة النفسية  والتي قد تسهل أو تمنع العلاج.

 وفي الختام، أود أن أوجه شكري وامتناني للجمعية القطرية للسرطان لتبنيها لخطوة أمل التي تعتبر المبادرة الأولى من نوعها في العالم، ولكل ما يبذلونه من جهد ودعم متواصل.

 

Read more...

شيخة المناعي : ادركت المعنى الحقيقي للحياة بعد التعافي

اسمي شيخة المناعي أعمل كمقدمة برامج تلفزيونية وإذاعية، وذلك بعد أن كنت أعمل كمعلمة منذ 1995 ومديرة مدرسة سابقاً. وبعد انتهاء فترة خدمتي كمديرة إحدى المدارس المستقلة في عام 2016 ، قمت بالسفر للخارج للاستجمام ولكي أجد شغفا جديداً. وهناك كانت المرة الأولى التي شاهدت الورم فيها ، وظننت أنه مجرد كدمة رغم  عدم وجود أي آثار مما جعلني أشك وأفحص نفسي بنفسي كما تعلمت في الدورات الطبية التي كنت التحق بها من فترة لأخرى ،  وأثناء الفحص أحسست بورم بأعلى الكتف يشبه الكرة الصغيرة ،شعرت لحظتها بالخوف.. تذكرت حينها أنني ارتطمت بجدار حمام السباحة قبل سفري .

في بداية الأمر تجاهلت الورم لمدة تقارب الأربعة أشهر لاعتقادي بأنها ستختفي .  وعند عودتي ذهبت لزيارة طبيب مختص بالموجات فوق الصوتية ،  لمعرفة طبيعة الورم بما أنه لا زال موجوداً ، وأعطاني بعض الأدوية التي قد تساعدني في تخفيف الانتفاخ. وسافرت مرة أخرى بعد أن كنت التحقت بالعمل في مجال الإعلام . بعد شهرين من بداية مساري في عملي الجديد أصبحت قلقة ومتوترة من الورم لأنه قد تقلص في الحجم بعد أخذي للأدوية ولكن قد عاود البروز مما جعلني أذهب للمركز الصحي الذي حول ملفي لمستشفى حمد. وفي اليوم الذي يليه تلقيت هاتف من المستشفى يفيد بتحديد موعد لمقابلة طبيب مختص بالأورام .

باشر الطبيب بالفحص السريري ، وقال أنه  يشتبه بوجود ورم  خبيث ،وسألني عن تاريخ عائلتي المرضي ،كما سألني عما إذا لدي أطفال ،  بعد المراجعة الأولية مع الطبيب أحلت إلى قسم  الجراحة الذي أزال بعض الغدد اللمفاوية لأغراض التحاليل، وقد استغرق معرفة نتائج الفحص أسبوعين. النتيجة كانت إيجابية لسرطان الثدي من الدرجة الأولى. لم استوعب ما حدث لفترة من الزمن ، وبكيت عندما عرفت نتيجة الفحص ليس خوفاً من المرض وإنما لمعرفتي كم ستكون أمي رحمة الله عليها خائفة وهلعة من هذا الخبر .. وشعرت والدتي يوم رجوعي من المستشفى أن هناك أمر ما عندما رأتني وقد قمت بإخباره.

 كان طبيبي أكبر سند لي وقتها، هو الذي قال لي بأنني أحتاج لعلاج كيماوي وبعدها علاج جراحي. لقد أخبرني بأن هناك مراحل للعلاج، وأنها قد تكون صعبة بسبب فقدان شعري ووزني. تفاصيل كثيرة مؤلمة مررت بها في تلك المرحلة، لكن ما ساعدني خلال هذه الفترة الحرجة هو ذكر الله تعالى والمحافظة على الصلوات وقراءة القرآن ، خلال هذه الفترة زاد بكائي بالأخص عند الصلوات. كانت أول جرعة من العلاج الكيماوي في مركز الأمل، رائحة العلاج سببت لي الغثيان وجعلتني أشعر بالتعب. سألت الممرضة كم من الوقت قد يأخذ العلاج وكان الرد تقريبا ثلاث ساعات. والدي رحمه الله وطبيبي كانا يصاحباني في كل الزيارات العلاجية وكانا ينتظراني طول فترة العلاج بالمستشفى. بعد العلاج ويسألاني إذا ارغب في تناول الطعام ، وكنت أرفض لأن العلاج كان يجعلني أشعر بالغثيان. بعد أن أتممت أول جرعة من العلاج عدت إلى منزل والدي لأكون معهما طول فترتي العلاجية بسبب الأعراض التي كانت لدي بسبب العلاج.

كنت أخذ العلاج كل إحدى وعشرون يوما. ما كنت أخاف منه قد حدث لقد  ألم  بأمي ما كنت أخشاه  فكانت تجهش بالبكاء عندما أعود بعد علاجي لأنها كانت تشم رائحة العلاج الممزوجة برائحتي، والتغير في طباعي أثناء علاجي أثر فيها. بعد أن أتممت أول مراحلي العلاجية طلبت أن يتم تحويلي لمدينة تكون شبيهة بقطر من ناحية العادات والتعداد وأن تكون هادئة. وبالفعل تم تحويلي لأكمل علاجي في مستشفى md Anderson, لأني لا أريد أن تراني والدتي في حالتي المرضية. رافقني أخي في رحلتي العلاجية. قبل سفري أخبرت بعض زملائي بالعمل عن حالتي المرضية ، لأني لم أرد أن يشفق علي أي أحد. لقد أخبرت أخي أنه إذا رآني قد ضعفت جسدياً لا أريد أن تنظر إلي نظرة ضعف أو انكسار لأن هذا سيجعلني أضعف ولن يساعدني. اعتبر الفترة التي عشتها في هيوستن من أجمل الفترات التي عشتها في حياتي، أنا لم أسكن مع المرضى في السكن المخصص لهم ولكن سكنت بمنزل بعيد عن المرضى لأني لم أرد شفقة الناس ولم أرد أن أحيط نفسي بمرضى، لقد وجد لي أخي سكن في مجمع سكني.

في أحد الأيام قررت ألا أضع الشعر المستعار مما صدم أخي عندما رآني وخرج مسرعاً من المنزل، كنت أدرك أنه ذهب ليبكي  ، بعد أن عاد أخبرته أني أعلم أنه قد صدم بسبب أنه رآني هكذا ولكني قد تقبلت حالتي وأنه قد أخبرني الطبيب أن هذا الأمر مؤقت وسوف تعود صحتي لما قد كانت عليه ، بعد تسعة أشهر. لقد أخبرت أخي أنني لا أريده أن ينظر إلي نظرة شفقة بالأخص أن العلاج يختلف فقد كنت آخذ جرعة كل 21 يوم وأصبحت الآن أخذ جرعة أسبوعياً. لقد كان هناك الكثير من مرضى سرطان الثدي وقد كان أغلبهم من كبار السن وكان كل منهم بصحبة زوجهم أو أختهم. كانت حالتهم مستعصية أكثر من حالتي مما جعلني أدرك أن هنالك أمل وجعلني أتشجع وأتخطى الآلام التي سببها العلاج الكيماوي بعون من الله. أثناء علاجي  نادراً ما كنت  أحس بالألم لأني كنت حريصة على إشغال نفسي بممارسة الرياضة والسباحة والطهي لأخي وجيراني وكان جدولي اليومي مزدحماً بعد أن استيقظ من نومي في الساعة العاشرة صباحاً بتنظيف المنزل وغسيل الملابس. هذه التفاصيل الصغيرة تعني لي الكثير وجعلتني أشعر بإنجاز عظيم بدل من الشعور بالآسف على نفسي. لقد كنت أصر على أخي أن نخرج قبل جلستي العلاجية لكي أستمتع بالأجواء، لأنني  كنت أعرف أنني لن أستطيع أن أقوم بأي شيء في اليوم الذي يلي علاجي.

فترتي العلاجية مثلت لي الكثير فقد أيقنت بها المعنى الحقيقي لعائلتي وأدركت أهمية وجود عائلتي بجواري. كانت تقوم والدتي رحمها الله ووالدي رحمه الله  بالاتصال علي يومياً عدة مرات. لقد كانت والدتي شديدة القلق علي فقد مرضت وأصبح قلبها ضعيفاً ووصل بها الحال لعدم قدرتها على الكلام. قد عانت والدتي من الناحية النفسية أكثر مني ,لقد حاولت أن أريها أنني بخير و كنت أرسل لها صوري وأنا أقوم بأعمال المنزل لكنها كانت تظل قلقة. بعد أن وصلت للولايات المتحدة الأمريكية تغيرت حياتي بالكامل ,أصبح إيماني أقوى ,أصبحت مواظبة على صلاة قيام الليل ،ولا زلت ، وكذلك قراءة  سورة البقرة و أذكار الصباح و المساء يومياً. لاحظت كيف أن  سرعة إيقاع الحياة اليومية تجعلنا جميعاً في لهو دائم ، ونفقد السيطرة على الوقت ونقنع أنفسنا  أنه لا يوجد وقت كافٍ لما نريد أن نعمل وتشغلنا بأعمال نظن أنها أهم ,لكن في واقع الحال لا يوجد أي شيء أهم من أن  يأخذ الشخص وقت مخصصاً لنفسه للمحافظة على صحته وعلى صلته بربه والاستشعار بالنعم الإلهية . وقت يخلو به المرء لكي يتأمل  ما مر به مهم جدا لأن المرض يأثر على كل شيء بحياة الإنسان مهما كان صغيراً..

 لقد أثر العلاج على كل جسدي ما عدا طريقة تفكيري. مروري بهذه التجربة جعلتني أحول وجهة نظري من الناحية السلبية إلى الإيجابية وكيف أتعامل مع صعوبات في الحياة. أنا الآن أعتبر أي شيء قد يقابلني في الحياة سهلاً بإذن الله تعالى. عندما يتوكل الإنسان على الله سبحانه وتعالى سيجد قوة غير طبيعية تساعده على مواجهة أي شيء. لقد أدركت أن أي شيء مقارنة مع مرض السرطان ضعيف جداً. أنا لا أصف نفسي كمحاربة لمرض السرطان ولكنني أنظر إليه من منظور أن الله تعالى ساعدني على محاربة المرض ,قد كان مرضي اختبار من الله ليرى صبري وقدرتي على التحمل لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ   الله سبحانه و تعالى كان يعلم بمقدرتي على تحملي لمرضي و أصبت بهذا المرض لكي أدرك تقصيري فقد أصبحت أذكر الله تعالى أكثر ,ولكي أتواضع أمام عظمة الله. بعد إصابتي بالمرض أدرك أهمية كل شيء وأصبحت واعية وقدرت ما قدمت لي الحياة. أدركت قيمة الصحة وعائلتي وأصحبت أقرب لأبنائي وأخواني. لقد أخذتني مشاغل حياتي اليومية بعيداً عن والداي ،  حيث كنت أزورهما يومياً ولكني لم أكن قريبة منهم. لقد اكتشفت هذه الأشياء بسبب مرضي والحمدالله لتداركي لأهمية وجودهما بحياتي

Read more...

عبدالرحمن: هذه الرحلة جعلتني أقوى مما أظن

بطلنا المغوار في هذه القصة هو ((عبد الرحمن)). فتى قطري يبلغ من العمر 13 عاماً، تغير كلية عندما بلغ من العمر ثماني سنوات والذي يحكي لنا قصته قائلاً :

 بعد شهر من عيد ميلادي الثامن وبينما ألعب مع أبناء عمومتي وأخي في المنزل، أخذتني أمي إلى مركز طوارئ الأطفال بالسد، كنت أظن أنه فحص دوري، لأنني كنت أمرض بصورة متزايدة عن جميع أقراني.  أخبرت أبناء عمومتي أنني سأعود قريبًا جدًا ، وسنعاود لعبنا فور رجوعي من المستشفى ، لم أكن أعرف أن هذه هي المرة الأخيرة التي أري فيها أبناء عمومتي لمدة ثلاث سنوات قادمة، عندما أخذتني أمي إلى طوارئ الأطفال، توقعنا أن تكون نتائج الفحص مماثلة لما اعتدنا عليه في الزيارات السابقة، ولكن ما حدث أن الممرضة والطبيب أخبرانا بضرورة الانتقال إلى غرفة العزل مما أثار شكوكنا ، ونظرا لأني كنت في الثامنة من عمري بالكاد فهمت ما كان يحدث من حولي، ولكن كان الوضع نفسه بالنسبة لأمي ، فالطبيب لم يفسّر لماذا اضطررنا إلى الانتقال إلى غرفة العزل.

عندما جاءت الممرضة لبدء الحقن، سألتها والدتي هل تم وضعنا في غرفة العزل للحفاظ على سلامة الآخرين، حيث اعتقدت أمي أن لدي مرضًا معديًا.أجابت الممرضة قائلة: “إن هذا من شأنه أن يحافظ على سلامة ابنك من الآخرين”، كان الرد بمثابة صدمة لي ولأمي.

في غضون ساعة كنت في سيارة إسعاف للانتقال إلى مستشفى حمد العام، ولم أعرف بعد لماذا كل هذا ، فور وصولي إلى المستشفى، بدأت مجموعة أخرى من الممرضات في عملية أخذ عينة  مرة أخرى من الدم تحتوي على الصفائح الدموية ، ومع كل هذه الفوضى والقلق اللذان يحيطان بنا من كل جانب، احتفظت أمي برباطة جأشها فكانت مثل مصباح يضيء لي الظلام المحيط ، كانت والدتي قد اتصلت بوالدها (جدي)، وأخبرته عن هذا الموقف، مما حمله إلى البكاء، لأن صديقه الذي تم تشخيصه من قبل بمرض السرطان خضع لإجراء مماثل..
أصيبت أمي بالإحباط لعدم وجود من يقدم لنا أي إجابات، فبحثت بنفسها على محرك البحث “جوجل” على كل الأعراض واستنتجت أنني مصاب بمرض سرطان الدم ،  وقد قوبلت هذه النتيجة بالتردد من الأطباء، وقضيت أنا وأمي اليوم بأكمله في مستشفى حمد دون أن نعرف لماذا نحن هنا .

في اليوم التالي، عندما جاء الأطباء لأداء جولتهم الصباحية، واجهتهم أمي وسألت عما إذا كنت مصاباً بسرطان الدم – لكنها قوبلت بمزيد من عدم اليقين من الأطباء.  وبعد بضعة أيام أخرى ممتلئة بالاختبارات والفحوصات تم تشخيص إصابتي بمرض سرطان دم عضلي حاد، وبدأتُ العلاج الكيميائي على الفور لإنقاذ حياتي، وبعد يومين فقط من مغادرة بيتي، تبين لي أنني سأخضع لفحص دوري منتظم، أوشكت أعصابي أن تنفلت وبدأت أشعر بالذعر فكل ما أريده هو أن أعرف متى سأتمكن من مغادرة المستشفى والذهاب للعب مع أبناء عمومتي من جديد. في تلك المرحلة شرحت لي أمي بعبارات بسيطة ما هو مرض سرطان الدم وما علينا أن نفعله للتخلص من هذا المرض.  لم تكن أمي تريد أن تتركني في الظلام ليدمرني من الداخل، ولكنها في الوقت نفسه لم تكن تريد أن تخيفني بكلمات كبيرة، فأنا ما زلت طفلاً على أية حال.

 في غضون أسبوع واحد بعد هذه الفوضى، انتقلت مع أمي إلى مستشفى الأطفال في واشنطن العاصمة الأمريكية، وعلى الفور امتلأت غرفتي بالمستشفى بالأطباء والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين.  كانت هذه بداية رحلتي الطبية التي دامت 3 سنوات. كنت أشعر بالبؤس والحزن في معظم أوقات هذه المدة على الرغم من الدعم القوي الذي أتلقاه من أسرتي ووالدتي التي ظلت بجانبي طيلة الوقت. لم أرى أصدقائي وأخواني وأبناء عمومتي لفترة طويلة، وشعرت بالعزلة بكل ما تعنيه الكلمة.  لم يكن لدي سوى أمي وجدتي فهما الشخصان الوحيدان الثابتان في حياتي، وكانتا هما الداعم الرئيسي الذي مكنني من اجتياز هذا المرض والبقاء قوياً.

 لا أتذكر الكثير مما حدث في المستشفى ولكن من أكثر اللحظات المؤلمة التي مررت بها وما زلت أتذكرها عندما كان عليهم وضع القسطرة، أتذكر جيداً الألم المبرح الذي شعرت به حتى لم أكن أقوى على الحديث مع والدتي. شعرت أنني لم أعد صبياً وأنني تحولت إلى إنسان آلي. كانت هذه أطول فترة تجاهلت فيها أمي. ثم اتصل بي أحد أعمامي من قطر فأشار إلى أن القوس الثابت على صدر الرجل الحديدي “ايرون مان” مماثل تماماً للقسطرة التي وضعتها لي الممرضات، وأن هذا القوس هو مصدر قوته وكذلك ستكون القسطرة بالنسبة لي هي سبب قوتي. ساعدتني كلمات عمي في تغيير الكيفية التي نظرت بها إلى إجراءات المستشفى؛ فلم تعد الإجراءات تخيفني، ولكنها ظلت مؤلمة، يبدو أنها لم تكن مخيفة كما كانت في السابق.

 عندما كنت في المستشفى، فقدت الكثير من شعري بسبب العلاج الكيميائي.  كانت خصلات من شعري تتساقط في حجري، وفي ذاك الوقت أخبرني عمى عن جون سينا وروك وهما المصارعان المفضلان لدي، وكلاهما أصلع.  فقال إن الصلع جعلهما أقوياء، وقد ساعدني هذا الحديث كثيراً خلال ذلك الوقت.  حتى أنني سمحت لرئيس قسم أمراض الدم في المستشفى بحلق رأسي.

أتذكر تماماً كل هذه الأوقات العصيبة ولكني في نفس الوقت أتذكر الأوقات الرائعة التي أمضيتها في المستشفى مع الممرضات اللاتي يعتنين بي والمهرج وراقصي الباليه الذين كانوا كثيراً ما يترددون على المستشفى لإسعاد المرضى. أتذكر ذات مرة عندما أخذ التفاعل مع موظفي المستشفى في التناقص، اخترعت أمي لعبة أطلقت عليها اسم “خمن الرقم”، حيث يخمن العاملون في المستشفى الرقم المطلوب كل يوم ، لتحصل أفضل التخمينات على جوائز. وقد شجع ذلك الموظفين على القدوم إلى غرفتي وشغلها بابتسامة على وجوههم أو ملاطفة مبهجة في الحديث معي، الأمر الذي رفع معنوياتي.  كانت هذه الروح المجتمعية التي ساعدتني وعائلتي على اجتياز المحنة.

 استطعت مصادقة بعض الأطفال في المستشفى، خاصةً هذا الصبي السعودي الذي تزامن دخوله إلى المستشفى مع الوقت الذي دخلت فيه، ولكن كانت هناك حادثة اضطرت فيها إحدى صديقاتي إلى بتر ساقيها وكانت صدمة كبيرة لي، مما منعني من التحدث مع أطفال المستشفى. ما زلت لا أفهم لماذا فعلت ذلك، لكنني شعرت براحة أكبر في التحدث إلى البالغين داخل المستشفى بعد تلك الحادثة.

 لم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة أثناء العلاج الكيماوي لما تركه من آثار سيئة على جسديّ، ولكن كان لدي بعض المدرسين الذين كانوا يأتون إلى المستشفى للتدريس لي.  حتى في اللحظات التي لم أتمكن فيها من التحدث، كانت أمي تحثني على التعلم وإكمال دروسي. كنت أكره كل ثانية من ذلك الوقت، وكنت أحاول الاختباء تحت الحرام وأطلب من أمي أن تطلب من المعلم مغادرة المستشفى، ولكني الآن أدرك أهمية الاستمرار في التعليم.  قالت أمي إن الاستمرار في التعليم سيشعرني بأهمية هذه الفترة من حياتي وأنها فترة مؤقتة ستزول بعض قليل. لم أصدقها حينها ولكني الآن أتيقن من صحة كلامها.

   بعد أن انتهت أغلب جلسات العلاج الكيميائي، استأجرنا منزلاً ضخماً وانتقلنا إليه بدلاً من المستشفى لأنه لم يعد من الضروري البقاء فيه.  كان بالمنزل قبو كبير، حولته إلى ملعبٍ شخصي – كان لدي ألعاب فيديو ومساحة ضخمة للعب كرة القدم – كان منزلاً رائعًا!  ولكن هذا لم يدم طويلاً: فقد خضعت لمزيد من الاختبارات، الأمر الذي كشف عن وجود خلايا سرطانية في الدم ـ لم يكن العلاج الكيميائي يعمل كما تصورنا، كما اكتشف الأطباء أن العلاج الكيميائي لم يكن يحذف 5 q داخل الخلايا الجينية مما يعني أنني سأضطر إلى إجراء عملية زرع نخاع.  وبالتالي كان عليّ أن أخضع لجلستان أخيرتان من العلاج الكيميائي قبل إجراء عملية الزرع، والانتقال إلى المستشفى مرة أخرى.   من المؤكد أن البحث عن مضادات الكريات البيض البشرية المناسبة كان أسوأ فترة بالنسبة لأمي لأن أقاربنا وأصدقائنا في قطر لم يكونوا على علم بذلك، وحتى عندما خضعوا للاختبار، لم يكن هناك من يماثلني.  وذات يوم، أخبرنا الأطباء بأن هناك أم في تكساس تبرعت بدم الحبل السري، والذي يتطابق بشكل مدهش مع كرياتي من الدم البيضاء. أصبح لدي متبرع بخلايا جذعية من تكساس.

كانت الخطوات التالية قبل إجراء عملية الزرع هي الأسوأ، اضطررت لتحمل إشعاع كامل للجسم مرتين في اليوم ثم المزيد من جلسات العلاج الكيميائي قبل الاستعداد لعملية الزرع. ثم جاءت المضاعفات – وعمليات رفض متعددة لنخاع العظم المزروع أدرك جسمي أن النخاع العظمي الجديد غريب وقام بمحاربته. ومن ثم أعطاني الأطباء كميات كبيرة من المثبطات لمحاربة هذا الرفض بالإضافة إلى كثير من التوجيهات الصارمة. حيث يجب أن يكون كل غذائي مطهي جيدا، وكان لي ساعة لشرب زجاجة من الماء، لأنه بعد مرور ساعة، لم يعد شرب المياه آمنا بالنسبة لي. أثناء، هذه المحنة كانت أمي على دراية تامة بأهمية المتابعة مع طبيب نفسي حتى يهتم بصحتي العقلية.

 بعد الانتهاء من العلاج الطبي سجلتني أمي في مدرسة داخل الولايات المتحدة. كانت مشاعري إزاء العودة إلى المدرسة مختلطة. فقد فاتني اللعب مع الأصدقاء وفي نفس الوقت هذه البيئة مختلفة عما اعتدت عليه في قطر، كما أنني لا أبدو كطفل عادي.  كانت المثبطات التي أتناولها قد تسببت في الكثير من زيادة الوزن لذلك واجهت بعض السخرية والتنمر في المدرسة.
لم يسمح لي بعض الطلاب بالاشتراك معهم في لعب كرة القدم وهي رياضتي المفضلة، حتى بعض المعلمين لم يتفهموا موقفي وحالتي.  كان معلم التربية الرياضية يشعر بالإحباط إزاء عدم قدرتي على الركض أثناء فصول التربية الرياضية بسبب وزني الزائد ، لم يزعجني هذا بالقدر الذي أزعج أمي، قلت لها أن الأمر على ما يرام ولعبة كرة القدم لازالت تراودني  – كانت هذه هي الآلية التي أتعامل بها مع نفسي خلال إقامتي بالمستشفى. انتقلت إلى مدرسة أخرى نظرا لعدم تفهم الطلبة والمدرسين لحالتي وموقفي، وكانت بفضل الله المدرسة التالية أكثر تفهما. فبدلاً من جعلني أشعر بالإهمال، جعلوني أبرز بين الآخرين، وأتيحت لي الفرصة لمشاركة قصتي التي رحب بها الجميع، الطلاب والمعلمون على حد سواء. ساعدتني هذه المدرسة على تكوين أصدقاء كثر وشعرت وكأني عدت إلى موطن رأسي.

 لن أنسى فضل المستشفى والمدرسة، فالروح المعنوية التي كنت بها لعبت دورًا كبيراً في مساعدتي على الشفاء. ساعدتني بعض المنظمات مثل “ميك ويش” أو “تمنى أمنية” أن ألتقي بجون سينا، كما دعمتني المجموعات النسائية مثل مجموعة باندا على الوصول إلى حلول غير طبية لبعض المشكلات مثل الغثيان وصعوبات النوم. أتذكر أنني تلقيت حجراً سحرياً من بعض المنظمات جعلني أتغلب على الغثيان والتخلص منه. أدرك الآن أن هذا الحجر غير سحري ولكنه ساعدني حينها على التخلص من الغثيان. بالإضافة إلى ذلك كان هناك زوجين تطوعا لتصوير جميع الأطفال في المستشفى ثم إعطائنا هذه الصور، كان الأمر بمثابة لفتة طيبة لأنه كسر حاجز الألم واليأس المحيطان بجميع الأسر وأطفالهم. وبإزالة هذا الحاجز، شعرت انني سأتحسن في قطر وهو ما تحاول دائما الجمعية القطرية للسرطان أن تنفذه.

 بعدها رجعنا إلى قطر بعد عملية الزراعة، لكن كان علي العودة كل ستة شهور الى واشنطن لمواصلة العلاج وإجراء الفحوصات اللازمة، والحمد لله في الثاني عشر من يونيو 2020 احتفلنا بمرور خمسة سنوات على اجراء عملية زرع نخاع العظم_ حمسة سنوات خالية من السرطان أصرت أمي على الالتحاق بالجمعية القطرية للسرطان حتى أحكي قصتي للآخرين الذين قد يمرون بنفس المحنة.  توقعنا أن نرى أطفال قطريين وأسرهم يتلقون الدعم من المجموعات الداعمة ولكن الأمر لم يكن كذلك، حيث كان المغتربين هم المستعدون لعرض مشكلاتهم على الأخرين، لأن أمر السرطان ما زال موضوعاً محظوراٍ لدى المجتمع القطري، وبناء عليه حاولت أمي مساعدة الآخرين بأن رتبت لي تسجيل فيديو أتحدث فيه عن محنتي مع السرطان وكيف اجتزت هذه المرحلة وشرحت لهم كيفية تجاوز هذه المرحلة.

 حملتني هذه الرحلة على إدراك أنني أقوى مما أبدو عليه وأن أقدر مجهودات جميع من حولي لأن الحياة دائماٍ متقلبة ولا يمكن لإنسان أن يأمن نوائب الدهر. ممتن كثيراٍ لجميع الأطباء والممرضات والأخصائيين الاجتماعين وكل من قدم لي سبل المساندة والمساعدة في قطر والولايات المتحدة. جدير بالذكر أيضا أن أذكر بنك “بي أ ماتش” حيث يتيح للجميع أن يتبرعوا بدمهم حتى يساعدوا الأخرين عند حدوث أزمة، وهذا ما حدث لي بالضبط. فلو لم تتبرع الأم المقيمة في ولاية تكساس بمشيمة ابنها، لم يكن ليتسنى لي أن أجري عملية الزراعة، ولو أدرك كثير من القطريين بوجود هذا البنك سنسمع عن حالات تعافي أسرع مما نتخيل.

 وأخيرا وليس آخراً، وجهت والدة عبدالرحمن رسالتها للمجتمع قائلة “اختبر الله بمرض السرطان كثير من الأطفال ومنهم ابني، لم يفعلوا شيئاً للإصابة بهذا المرض ومن ثم لا يصح أن يظل موضوعاً محظوراً للحديث فيه، ينبغي أن يكون المجتمع أكثر تفتحاً حتى يصير تلقى الدعم من الآخرين أسهل وأيسر.

Read more...

سوما، إصابتي بالسرطان غيرت نظرتي للحياة

اسمي سوما، أعمل ممرضة. لطالما اهتممت بمرضى سرطان الرئة الذين تم تشخيصهم في مراحل متقدمة وبالتالي يحتاجون إلى رعاية تلطيفية، معتقدين أنه يمكنني تخفيف آلامهم وأحزانهم.

يمكن أن أكون درعهم ضد السرطان، قد أكون سيفهم المسلول لمواجهة هذا المرض، ولكن ما لم أتوقعه أبدا هو أن أواجهه لنفسي هذا المرض، ولكن هيهات كنت مخطئة؛ كان يوليو 2016 هو وقت إظهار قدرتي علي  المواجهة ومحاربة مرض السرطان بل وقتله، وفي ذلك الوقت، وجدت أن مرضاي هم درعي الواقي الحصين طوال رحلتي لقد كنت أعاني من التعب المستمر، لذلك قررت أن أرى طبيباً؛ بعد ذلك، أجريت اختبارات دم وفحص الثدي بأشعة الماموجرام، مما أظهر أنه احتمالية وجود ورم في صدري، لذلك تم أخذ خزعة. أظهرت هذه الخزعة تشخيصًا لم أتخيله أبدًا. لقد شخصت التعب الذي أعاني منه إلى شيء يفوق مخيلتي. قيل لي أنني مصابة بسرطان الثدي في المرحلة الأولى.

كان الرفض والإنكار هو كل ما شعرت به في البداية؛ لم أتمكن من إدراك حقيقة إصابتي بالسرطان. ذهبت إلى المنزل في ذلك اليوم بقلبٍ مُثقل، مع خطوات بطيئة، أحمل تشخيصًا مثيرًا للقلق، كان ينبغي لذلك أن يكون نهاية قصتي. ذهبت إلى المنزل حيث كنت متأكدة من شعوري بالأمان؛ ذهبت إلى المنزل لرؤية أولادي، والاستماع إلى قصصهم المُبهجة؛ ذهبت إلى المنزل لأحتمي بأحضان عائلتي حيث كان قلبي ممتلئًا بالقلق ولن أتمكن من إزالة ما به من قلق إلا من خلال حبهم ودعمهم لي. ثم جاء السؤال: هل يجب أن أبلغ عائلتي ؟ هل سيكونون قادرين على تفهم ذلك؟ أتيقن من حبهم لي ومساندتهم ولا أشك في تقديمهم لكل أنواع الدعم والحب  في كل خطوة أخطوها في المراحل القادمة,

بدأت بزوجي؛ فلكم أكد أخبره حتى أجهش بالبكاء والنحيب على ما ستأتي به الأيام. كان يهتم بي كثيرًا ويحرص على صحتي ويقدم لي كل ما في استطاعته لإسعادي. ومع مرور الوقت، تقبل كلانا المرض. وصرنا على استعداد لمحاربته معًا. كان دائمًا قويًا ،واقفًا إلي جواري، لم تخر قواه للحظة واحدة. كان يؤازرني حين الحاجة وكان هناك من أجلي طوال فترة العلاج. تلقيت العلاج لمدة سنة واحدة اشتملت العلاج الجراحي وما يليه من علاج كيميائي وعلاج إشعاعي وعلاج موجه. كنت مرهقة ومنهكة ولكني كنت أعرف أنني قوية بما فيه الكفاية للتعامل مع ذلك. قمت بأشياء استمتعت بها خلال دورة علاجي؛ على سبيل المثال، أنا أحب عملي؛  بل أعشقه، ولذا، فإن العمل على الرغم من مرضي جعلني أتناسي المرض، الذي كنت أشعر به حيث كنت أشعر بالسعادة لأداء المهام الموكلة إلي. لقد أظهرت لهذا المرض الذي يستنزفني جسديًا ، أنه وبقدر ما يستنزفني سأقدر الحياة أكثر. قررت عدم أخذ إجازة مرضية؛ ذهبت إلى العمل وساعدت مرضاي لأنني أدرك جيدًا الآن ما يعانيه المرضى. إصابتي بالسرطان غيرت نظرتي للحياة  فجعلتها أكثر وضوحًا مما دفعني أكثر إلى الاهتمام بمرضاي والاعتناء بهم على نحوٍ متزايدٍ.

 وبالنسبة لفقدان الشعر؟ والانهاك والإعياء؟ وتقلبات المزاج؟ اختفى كل هذا عندما أدركت أنني قوية بما يكفي للفوز في هذه المعركة. اكتسبت القوة من خلال دعم عائلتي وتحسن مرضاي وقبولي لمرضي. بالإضافة لعاداتي الروحية ، وعلاقتي القوية بالله  التي جعلتني أقوى وأكثر حكمة، حيث بدأت أنظر إلى هذا الوضع كأي وضع أخر سيجعلني أقوى عقلياً وجسدياً.

يلقي السرطان بالمريض في فوهة عميقة، ليعتقد بولوجه نفقًا معتماً مغلقاً، لكن هذا ليس هو ما يحدث على الحقيقة؛ ينبغي للمرء أن يؤمن بأن لديه الأدوات اللازمة لخلق ثغرة لنفسه تؤدي إلى شعوره بالقبول. ولكي يحدث ذلك، يتعين على المرء أن يتخذ موقفًا إيجابيًا وأن يكون لديه مجموعة داعمة وأن يكون لديه أمل وإيمان ، وكلماتي الأخيرة في هذه القصة هي أن تعمل ما يجعلك سعيدًا، وكن داعمًا للآخرين، وامنح نفسك وقتًا للشفاء

Read more...

سامي فتوح : فخور بنفسي ، وأشكر الجمعية القطرية للسرطان على دعمها

إسمي سامي فتوح. عمري ثماني سنوات ، من سوريا وأعيش في كندا  وأذهب الى مدرسة فايرفيو Fairview Public School في ميسيساغا، لدي ذكريات جميلة في قطر ، تلك الدولة التي سبق لي العيش فيها ومن أحب البلدان إلى قلبي ، اتحدث اللغتين العربية والإنجليزية، ادخلاني والدي إلى مدرسة إضافية لتعلم اللغة العربية عندما شعرا انني بدأت افقدها شيئًا فشيئا مع إقامتي في كندا، أحب اللعب في المتنزهات العامة وركوب الدراجة، أحلم بأن أصبح مغامراً وعالم أحفوريات ورائد فضاء عندما أكبر.

قصتي بدأت عندما كان عمري ثلاث سنوات بدأت أشعر بألم في رجلي ولكن لم يريدا والداي أن يقلقاني فأخبراني أن علي الذهاب للطبيب لكي يعالج آلامي ، عندما أصبحت في السادسة من عمري، قال لي والداي ” لم نشأ أن نقلقك في صغرك ولكنك كنت مصاب بمرض السرطان عندما كان عمرك ثلاث سنوات” وعندما أصبح عمري سبع سنوات أخبراني المزيد عن مرض السرطان وأنواعه كما تعلمت أكثر عن المرض عندما بدأت بالذهاب إلى المدرسة ، استمر العلاج مدة سنتين قضيت منها ستة أشهر في المستشفى واستكملت باقي مدة العلاج على شكل مراجعات وأدوية في المنزل ، أتذكر عندما كان يزورني أصدقائي ويحضرون لي الهدايا ، كانت هديتي المفضلة هي سيارات الهوت ويلز.

للسرطان أنواع كثيرة قد تكون في أي عضو بالجسد ويجب أن يؤخذ دواء له لمدة طويلة وبالقدر المناسب وفي الوقت الصحيح، كانت هناك غرفة ألعاب في الطابق السفلي وكنت ألعب مع أخي دائماً  وأحياناً أذهب للمشي داخل المستشفى، وفي حالات معينة كان الأطباء يوصون بوقف الزيارات لي، فكان يأتي بعض الأشخاص بالتعاون مع الجمعية القطرية للسرطان إلى غرفتي ويحاولون إسعادي من خلف الزجاج ويعطوني الهدايا حتى ابتسم وأضحك، كان الأطباء لطيفين جداً ، كان جدي وجدتي وعمتي وخالاتي يزورونني باستمرار ويحضرون لي الكثير من الهدايا والأطعمة المفضلة ، زينت غرفتي في رمضان بالهلال والنجوم والفوانيس. كانت عائلتي معي في كل الأوقات وكانوا يشاهدون التلفاز معي دائماً ولم يغادروني، العلاج الوريدي كان  مؤلماً.

 كنت قوياً في أحيان وضعيفاً أحياناً أخرى، قام خالي مصطفى وخالي خالد بحلق شعرهم وقالوا لي ” هيا يا سامي احلق شعرك” وفعلت ذلك، لم أكن أدري بأن سقوط الشعر كان أحد الأعراض الجانبية للعلاج الكيماوي، وقتها اعتقدت بانهم يشجعوني على حلق شعري لأنها مسابقة، كنت أشعر بالألم بعض المرات ولكن ليس دائماً ، ذات مرة تشقق خدي من الداخل من أثر العلاج الكيماوي وكان مؤلماً لذا اضطررت للذهاب إلى المستشفى لعلاجه ، اتضح لي أن لدي تشققات في جهازي الهضمي واستغرق علاج هذه التشققات شهر كامل ، كانت بقع جافة في خدي من الداخل وكنت أبكي من الألم لكن سرعان ما انتهي باللعب وتوقفت عن البكاء ، لم أكن استطيع الأكل في هذه الفترة وفقدت بعض الوزن ، كنت أحب تناول المعكرونة التي يقدمها المستشفى وصارت أمي تعملها لي في المنزل  ولا زلت أتناولها إلى اليوم فأسميتها  ” معكرونة المستشفى ” ، وكنت اطلب من أمي أن تتصل بجدتي أيضاً لأطلب منها عمل الكبة والمحشي.

وأضاف سامي قائلاًٍ ” كنت فخوراً بنفسي عندما أخبرني والداي بأنني تغلبت على السرطان  ، بعد أن منعني المرض من زيارة أصدقائي والذهاب إلى الحضانة وركوب الخيل والدراجة ومنعني من المشي أيضاً، كنت أتمشى قليلاً في حديقة المستشفى وغرفة الألعاب أحياناً عندما تكون مفتوحة ، كنت أطلب من خالتي أن تأخذني إلى غرفة الألعاب وعندما أجدها مغلقة كنت أعود إلى غرفتي حزيناً ، وكانت خالاتي يعوضون ذلك  بإعطائي جهاز الآيباد ومشاركتي اللعب ومشاهدة التلفاز ، كنت أحب  اللعب بالشاحنات والشخصيات  والركض مع أخي اياد في الخارج ، لكنني لم استطع الركض سريعاً.

كنت اشعر بالضجر في بداية إقامتي بالمستشفى ولكن بمساعدة الجمعية القطرية للسرطان وعائلتي لم اشعر بالملل بعدها، كان اصدقائي يزورونني ويحضرون لي الألعاب التي تركتها للذكرى ونلعب  بها أنا وأخي اياد أحيانا ، وتبرعت للمحتاجين بالبعض منها ، كانت الجمعية القطرية للسرطان تعطيني الكثير من الهدايا و كان يبعثون الفرح في قلبي عند مشاركتهم فعالياتهم  ورؤية المهرجين والشخصيات الكرتونية بأزيائهم ، عندما  انتهيت  من فترة علاجي أصبح بإمكاني فعل كل شيء ، أصبحت أتناول الطعام  مثل ذي قبل وأتسوق وأذهب للمدرسة ، لم أكن أعرف أن فترة مرضي انتهت عندما تعافيت ،  لذا لم أتفاعل في أخر يوم لي في المستشفى.

قدمت لي الجمعية القطرية للسرطان الكثير من الدعم والتشجيع من خلال دعوتهم لي ولأهلي للفعاليات التي كانوا ينظمونها وكان عيد ميلادي السابع الذي أقاموه لي في مقر الجمعية أجمل أعياد ميلادي.

وتحكي الأم ذكرياتها في هذه الرحلة قائلة :

قصص الأمل وتجارب الناس الحية هي أهم ما يبحث عنه المريض وأهله وهي الحافز الأكبر في منح الأمل. ، فالمريض وأهله يبحثون عن تجارب مماثلة وقصص نجاح تلهمهم الصبر وتبعث فيهم الأمل).

عندما أخبرنا الطبيب بأن سامي مصاب باللوكيميا كانت صدمة كبيرة، لكن وجود أهلنا وأصدقائنا حولنا ساعدنا في تخفيف المصاب علينا قليلاً، إلى جانب مصداقية الأطباء واستجابتهم السريعة وتعاملهم بشفافية كان له دور كبير في تعريفنا بالمرض ومطمئنتنا بعض الشيء، إلا أننا لا زلنا نتذكر فترة إقامتنا الأولى في المستشفى على أنها أصعب مراحل حياتنا، كنا نظن أنها النهاية فكل مانعرفه عن السرطان أنه مرض يصيب الإنسان وينهي حياته، كنا نحاول أن نعرف أكثر عن هذا المرض ونسبة الشفاء ، كنا نسعى لسماع أي تجربة حية تمدنا بالأمل والتفاؤل، كنت أدعو الله أن ينجينا من هذه المحنة حتى نصبح نحن سفراء لنشر الأمل بين المصابين ، استجاب سامي للعلاج وكنا نلاحظ تحسناً في مسيرة علاجه رغم ما تخللها من مصاعب وأمراض،  ونتيجة لنقص المناعة كان يصاب أحياناً ببعض الالتهابات وكان يتوقف العلاج بسببها مثل التهاب الكبد واحتباس السوائل في الجسم والتهاب في القلب ، وكانت التشققات في خده التي يروي سامي قصتها بابتسامة الآن أحد اصعب التجارب التي مر بها، استمرت هذه التقرحات لمدة 30 يوماً ولم يستطع الأكل أو الشرب لذا تضاعف الأمر وتقرح عنده جهازه الهضمي كاملاً من أثر العلاج الكيماوي حتى اضطر الأطباء إلى إيقاف العلاج مؤقتاً حتى يستعيد عافيته.

بعد خروج سامي من المستشفى قررنا أن يكون له دور في التخفيف من آلام الناس ومعاناتهم من خلال زيارة قصيرة يروي لهم قصة نجاحه ويقدم لهم بعض النصائح من خلال تجربته، حتى كانت فعالية الجمعية القطرية للسرطان ” أنا متعافي وسألهمكم بقصتي” حيث قدم سامي قصته حكاية بطل ليصل صوته أسرع ولشريحة أكبر من المجتمع.

الأم: كنا ننتظر يوم شفاء سامي بفارغ الصبر، وأذكر انني صورت هذه اللحظات للذكرى، كانت المشاعر خليطاً من الفرحة بأننا انهينا هذه المرحلة مع بعض القلق من العودة واحتمالية الانتكاس لا سمح الله، لازال هذا الهاجس يراودني حتى الآن وأعتقد أنه سيخف تدريجياً مع الزمن ولكنني أربط أي توعك بسيط لسامي باحتمالية رجوع المرض له.

في الختام أود أن أتوجه بالشكر الجزيل للجمعية القطرية للسرطان التي كانت وما زالت إلى جانبنا بدعمها المادي والمعنوي وببرامجها وأنشطتها الهادفة التي تعني الكثير للأهل وللمريض.

Read more...

فايزة الكعبي : أنا محظوظة بعائلتي، وأرى الحياة الآن أكثر وضوحاً

 وأتاني الألم مرتين ثم استمر وتواصل، وأدركت حينها أنه يتحتم علىّ زيارة الطبيب لسؤاله عما أشعر به. وفي العيادة، أخبرني الطبيب بأنه مجرد تقلص عضلي، وأعطاني مسكن للآلام وانتهى الأمر.. ولكن وبعد انتهاء علبة المسكن أثناء قضائي لعطلتي مع شقيقتي في اسطنبول عاودني الألم مرة أخرى، ولذا أخذت موعد لزيارة الطبيب. وأثناء الزيارة، وصفت له  فايزة الكعبي قصة  ألمها فإذا بملامح الطبيب تتغير .

. أمر الطبيب ببعض الاختبارات للتأكد من شكوكه، وعندما ظهرت نتيجة الاختبارات، ذهبنا للطبيب مرة أخرى وعرفت أختي قبلي بالأخبار السيئة، عرفت من وجهها ” هناك ورم ليفي سرطاني حول الرئة، وانتشر بين الإبطين والبطن “.

صُدمت – وتوقف مخي عن العمل من هول المفاجأة…ولم أصدق. أنا مريضة سرطان!!!!! اعتدت سابقاً أن أشارك في الفعاليات الخاصة بدعم مرضى السرطان واعتدت سماع قصصهم عن كيف صاروا مرضى سرطان؟ لكن كيف حدث هذا لي؟ ليس عندي أي عادات سيئة من شأنها أن تسبب لي مرض السرطان. أنا شخصية نشيطة وحريصة على الحركة باستمرار. لماذا حدث ذلك لي، هل هو اختبار من الله؟ هل هو ابتلاء……إلى أي متى سيستمر؟ هل هو عقاب …………..لماذا أُعاقب؟  ماذا فعلت؟  كيف سيكون مستقبلي…..هل لدي مستقبل من الأساس؟  استمر سيل التساؤلات يشتعل في رأسي بين الفينة والأخرى. كنت أتمزق إربا لشعوري بأني مريضة سرطان. كان الألم مستمراً وكانت نتيجة الاختبارات مؤكدة لتشخيص الطبيب. لم أستطع استيعاب الأمر فظللت أفكر …….وأحدث نفسي هل أتحدث فعلاً عن مرض السرطان. كيف أصبت بالسرطان!!! ولكني أصبت به, أنا مريضة سرطان!

 صارت رأسي متشابكة ككرة الخيط، تجول بها الأفكار يميناً ويساراً كان لزاماً عليّ أن أقرر مدى احتياجي للعلاج؟ وإذ كان لا بد من العلاج فمتى أبدأ؟ كما لا بد أن أقرر أين أحصل على العلاج؟ هل أرجع مرة أخرى إلى الدوحة وأتعالج بها أو أبقى في دولة أجنبية؟ احتاج إلى اتخاذ كثير من القرارات ولا بد من اتخاذها بسرعة. كان القرار صعباً لأني كنت مضطربة وفي حالة من عدم التصديق. وفي النهاية جمعت قواي وقررت أن أبدأ علاجي في الخارج مع نفس الطبيب الذي شخص حالتي.

 وعندما اقترب موعد أول جلسة كيماوي، اتصل بي كثير من الأشخاص ليقولوا لي أني قوية وأنني سأنتصر على السرطان، وبعد فترة بدأت أصدقهم. بدأت تقبل أمر إصابتي بالسرطان. وعند هذه النقطة تبددت صدمتي نوعا من ..

 تغير كل شيء قبل عيد الأضحى المبارك عندما بدأت علاج الكيماوي الذي صدم جسدي. كنت أشعر بالإعياء الشديد والميل إلى القيء، كنت قلقة وضبانة، وشهيتي للطعام مفقودة ، كنت أتمنى لو أن أمي لم تأت لزيارتي وألا تجلب لي الطعام اللذيذ لأنه سينتهي وأنا ما زلت مريضة.. أحسست وكأني صرت إنساناً جديداً لا يعلم ما يريد ولا يعلم كيف يعبر عن نفسه، أحسست أنني أدور في وسط العاصفة؛ وحيدة مع شخص غريب ومهمتي الآن هي التعرف على هذا الغريب. وبينما أنا في وسط هذا الصراع العنيف سألت الله ليلة العيد أن يلهمني الصبر لتحمل كل هذه الآلام وأن انتصر على السرطان. >

وفي أول يوم من أيام العيد شعرت فايزة بأن حالتها أسوأ من ذي قبل. بدت أسرتها وكأنهم في مأتم. وجوههم عبوسة شاردة منهمكة. لا يضحكون؛ لا يبتسمون؛ لا يهنئون بعضهم البعض بالعيد. أضحى العيد عبئاً على عائلتها فهو يذكرهم بشيء ما بداخلها يأكلها بينما العالم بالخارج يستمتع ويحتفل بالعيد.

وبعد أسبوع من أول جلسة كيماوي كان عيد ميلادي. وبينما يعيث الكيماوي في جسدي فساداً، أشعر بتغييرات طفيفة تطرأ على جسدي. كنت أشعر بألم كل خلية سرطانية تموت في جسدي وكنت منهكة للغاية. كان الألم شديداً وعنيفاً بل قاسياً. وصلت إلى نقطة كان السؤال الملح فيها: لماذا أفعل ذلك. لماذا أخضع لكل هذا العذاب؟ لماذا أتحمل كل هذا البؤس؟

 كان السبب معلوماً …وهو سيل الدموع المنزرف من عيون عائلتي ومحاولاتهم الدؤوبة للتخفيف من آلامي وإسعادي ، ففي يوم ميلادي استأجرت أخوتي يختا. وعلى ظهر اليخت اظهر أخواتي حبهم لي؛ أعددن عشاءً رائعاً مجهزاً بالهدايا والكعك وكتبن اسمي بالليزر على جسر البوسفور. كنت أحلق في السماء فوق القمر. تناسيت أحزاني وصرت سعيدة سعادةً جمةً، سعادةَ لا توصف. وفي نشوة البهجة فكرت “لو أني سأموت بعد غد………سأكون مرتاحة وسعيدة””. أعطاني ذلك اليوم جرعة قوية من السعادة ساعدتني على المقاومة والاستمرار.

 عاملتني أسرتي بحب، بل بكل الحب. أظهروا لي مقدار حبهم لي من خلال أشياء بسيطة. مثل أن روائح المنظفات كانت تتعبني فيخبروني بأنه عليّ المغادرة لبعض الوقت فقد حان وقت استخدام المنظفات. كنت أرى مدى قلقهم عليّ. كادت أختي لا تنام لأنها تستيقظ بين الفينة والأخرى لتسألني هل أنا بخير؟ توقفت أمي عن تناول الطعام لأني لا أستطيع تناول الأكل. كانت تطبخ لي الطعام يومياً  رغم ما تجده من صعوبة للنهوض من الفراش والوقوف لإعداد الطعام بسبب مشكلات صحية في ساقيها. ، صرت أخاف على أسرتي لو توفيت أكثر من خوفي من الموت.

وعندما حان الوقت لرجوع واحدة من أخوتي إلى الدوحة لأولادها، كنت أشعر بأن قلبها يتمزق. كانت تترك جزء من قلبها معي بينما الجزء الآخر مع صغارها.  وعند تناول العشاء لآخر مرة قبل مغادرتها إلى الدوحة، صرحت لها بأني لم أكتفي من البقاء معها. ما زلت في حاجة إليها. ما زال هناك الكثير الذي أود أن أقوله لها وأشاركها معها. أتمنى أن نكبر سويا. سأتحمل كل الآلام من أجلك، سأتحمل كل المصاعب والمشاق من أجلك. سأعود إليك يا أختاه. انزرفت الدموع من عيون الجميع بلا حساب. كنت أدرك إنني واحدة من المحظوظين. فلدى الكثير الذين يحبونني ويهتمون بي. فمن لم يكن معي بجسده، كان يتواصل معي بالهاتف دون ضجر أو ملل لتفقدني والاطمئنان على أحوالي.

 استغرق الأمر بعض الوقت حتى تقبلت المرض. فكنت في موقف لا يمكنني التخلص منه.  ماذا كنت أفعل حيال ذلك. أخبرني الطبيب الحقيقة وقالي لي أن فرص البقاء على قيد الحياة عالية.  غير أن بعض الأفراد لا يتحسنون ويؤدي بهم المرض إلى الوفاة. وقال: ” إنه ما زال مرض ، تعاملي معه كأي مرض آخر واتركي لي الدواء وركزي على نفسك”.  وهذا ما فعلته.

بعد ثالث جلسة كيماوي، تعلمت كيف أتعايش مع السرطان. أصبح لدي مقعد داخل الحمام لاستخدامه في حالة الإصابة بالدوار، وأكياس بلاستيكية لاستخدامها عند القيء. أدركت أن الليمون يصبني بالقرف فقررت الابتعاد عنه تماماً.

في مرة من المرات جلبت لي أختي بعض البوظة في غرفتي بالمستشفى من وراء الممرضة لأنه لم يكن مسموحاً لي بتناول البوظة.  كما أُرسلت لي كتب من الدوحة للاطلاع عليها وقت الحاجة. سمحت لجسدي التكيف مع مرض السرطان والعلاج بالكيماوي.

 ولكن وحتى مع دعم أسرتي المتواصل، انتابتني أحياناً لحظات ضعف؛ وخاصة عندما صرت وحيدة معزولة في غرفتي لمدة ستة جلسات كيماوي بدون أي صوت عدا آلات التنبيه التي تطلق أصواتها هنا وهناك. كنت محرومة من أي تفاعل مع البشر. افتقدت كثيراً الاختلاط بالناس وقضاء أوقات ممتعة معهم. ، ارتبطت الوحدة داخل غرفة العلاج بهذا المرض المتقلب وبما يحدثه الكيماوي، مما دفعني إلى عدم القدرة على اتخاذ أبسط القرارات ولذلك سلمت أمري تماماً لأسرتي التي أُحبها وأثق فيها. ،  ففي لحظات الضعف والشعور بالألم، كنت أفكر في الموت ولكن أختي لم تسمح لي التفكير فيه،  قالت لي أنه عليّ أن أتحمل إن لم يكن لنفسي فلها، وهذا ما أغضبني…..لا أستطيع تحمل هذا العذاب. تركتني أختي لأفكاري بعدما انفجرت. فكرت فيما قالته لي وتذكرت ما قلته عندما بدأت العلاج. سأخضع للعلاج من أجلكم أولاً، إنهم فقط ست جلسات من العلاج الكيماوي. بدى لي أن عدد الجلسات كبير جداً وأن الجلسة السادسة بعيدة جداً وصعبة المنال. وبغض النظر عن ذلك كله، خضعت للعلاج والتزمت به وأكملت أول برنامج من العلاج الكيماوي وصار وقت فحص الطبيب للوقوف على حالتي بعد الكيماوي وإلى أي مدى تأثر السرطان.

 لم يكن لدي أي توقعات لنتائج الاختبارات. لم أكن متفائلة أو متشائمة. لم أكن أطمح لأي شيء حتى لا أشعر بخيبة الأمل وأردت ألا أفكر بسلبية. فمهما كانت نتائج الاختبار سأتقبل الأمر. كنت في حالة من الهدوء والسكينة.

 إذا أخبرني الطبيب بعدم استجابة السرطان للعلاج الكيماوي وعدم وجود حلول أخرى، سأغضب ولكني سأتقبل الموت. فالموت ليس نهاية، وبدأت أنظر للموضوع من منظور ديني “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، أعطتني هذه الجملة مزيد من الراحة والطمأنينة وشجعتني على مواجهة الموت. لم تكن أسرتي تحب بالطبع أن تسمع أي شيء من ذلك، ولكن الموت حقيقة لا بد أن نعترف بها. فالموت علينا حق. إذا أخبرني الطبيب أنه لم يتبق لي في الحياة إلا القليل، فسأعود فوراً إلى الدوحة وسأجمع كل أحبابي وأملأ عيوني برؤيتهم قبل أن أغادر هذا العالم وأذهب إلى عالم آخر. وإذا قال لي أن ساعتي قد اقتربت. سأظل في تركيا حتى يأتيني الموت.

 وعلى عكس كافة السيناريوهات التي دارت في ذهني ، قال الطبيب: فايزة، لدي أخبارُ سارةُ ، سألته: ماذا؟

أجاب: أخبار سارة  ، توقعت أن يقول أن جسدي استجاب للعلاج أو أي شيء مما يقوله الأطباء للمرضى حتى يثلجون صدورهم أو يخففون عنهم. ما قاله أعجزني عن الكلام وأوقف لساني.

 “نتيجة الاختبار تظهر أن جسدك خالِ من السرطان“. 

Read more...