سامي فتوح : فخور بنفسي ، وأشكر الجمعية القطرية للسرطان على دعمها

إسمي سامي فتوح. عمري ثماني سنوات ، من سوريا وأعيش في كندا  وأذهب الى مدرسة فايرفيو Fairview Public School في ميسيساغا، لدي ذكريات جميلة في قطر ، تلك الدولة التي سبق لي العيش فيها ومن أحب البلدان إلى قلبي ، اتحدث اللغتين العربية والإنجليزية، ادخلاني والدي إلى مدرسة إضافية لتعلم اللغة العربية عندما شعرا انني بدأت افقدها شيئًا فشيئا مع إقامتي في كندا، أحب اللعب في المتنزهات العامة وركوب الدراجة، أحلم بأن أصبح مغامراً وعالم أحفوريات ورائد فضاء عندما أكبر.

قصتي بدأت عندما كان عمري ثلاث سنوات بدأت أشعر بألم في رجلي ولكن لم يريدا والداي أن يقلقاني فأخبراني أن علي الذهاب للطبيب لكي يعالج آلامي ، عندما أصبحت في السادسة من عمري، قال لي والداي ” لم نشأ أن نقلقك في صغرك ولكنك كنت مصاب بمرض السرطان عندما كان عمرك ثلاث سنوات” وعندما أصبح عمري سبع سنوات أخبراني المزيد عن مرض السرطان وأنواعه كما تعلمت أكثر عن المرض عندما بدأت بالذهاب إلى المدرسة ، استمر العلاج مدة سنتين قضيت منها ستة أشهر في المستشفى واستكملت باقي مدة العلاج على شكل مراجعات وأدوية في المنزل ، أتذكر عندما كان يزورني أصدقائي ويحضرون لي الهدايا ، كانت هديتي المفضلة هي سيارات الهوت ويلز.

للسرطان أنواع كثيرة قد تكون في أي عضو بالجسد ويجب أن يؤخذ دواء له لمدة طويلة وبالقدر المناسب وفي الوقت الصحيح، كانت هناك غرفة ألعاب في الطابق السفلي وكنت ألعب مع أخي دائماً  وأحياناً أذهب للمشي داخل المستشفى، وفي حالات معينة كان الأطباء يوصون بوقف الزيارات لي، فكان يأتي بعض الأشخاص بالتعاون مع الجمعية القطرية للسرطان إلى غرفتي ويحاولون إسعادي من خلف الزجاج ويعطوني الهدايا حتى ابتسم وأضحك، كان الأطباء لطيفين جداً ، كان جدي وجدتي وعمتي وخالاتي يزورونني باستمرار ويحضرون لي الكثير من الهدايا والأطعمة المفضلة ، زينت غرفتي في رمضان بالهلال والنجوم والفوانيس. كانت عائلتي معي في كل الأوقات وكانوا يشاهدون التلفاز معي دائماً ولم يغادروني، العلاج الوريدي كان  مؤلماً.

 كنت قوياً في أحيان وضعيفاً أحياناً أخرى، قام خالي مصطفى وخالي خالد بحلق شعرهم وقالوا لي ” هيا يا سامي احلق شعرك” وفعلت ذلك، لم أكن أدري بأن سقوط الشعر كان أحد الأعراض الجانبية للعلاج الكيماوي، وقتها اعتقدت بانهم يشجعوني على حلق شعري لأنها مسابقة، كنت أشعر بالألم بعض المرات ولكن ليس دائماً ، ذات مرة تشقق خدي من الداخل من أثر العلاج الكيماوي وكان مؤلماً لذا اضطررت للذهاب إلى المستشفى لعلاجه ، اتضح لي أن لدي تشققات في جهازي الهضمي واستغرق علاج هذه التشققات شهر كامل ، كانت بقع جافة في خدي من الداخل وكنت أبكي من الألم لكن سرعان ما انتهي باللعب وتوقفت عن البكاء ، لم أكن استطيع الأكل في هذه الفترة وفقدت بعض الوزن ، كنت أحب تناول المعكرونة التي يقدمها المستشفى وصارت أمي تعملها لي في المنزل  ولا زلت أتناولها إلى اليوم فأسميتها  ” معكرونة المستشفى ” ، وكنت اطلب من أمي أن تتصل بجدتي أيضاً لأطلب منها عمل الكبة والمحشي.

وأضاف سامي قائلاًٍ ” كنت فخوراً بنفسي عندما أخبرني والداي بأنني تغلبت على السرطان  ، بعد أن منعني المرض من زيارة أصدقائي والذهاب إلى الحضانة وركوب الخيل والدراجة ومنعني من المشي أيضاً، كنت أتمشى قليلاً في حديقة المستشفى وغرفة الألعاب أحياناً عندما تكون مفتوحة ، كنت أطلب من خالتي أن تأخذني إلى غرفة الألعاب وعندما أجدها مغلقة كنت أعود إلى غرفتي حزيناً ، وكانت خالاتي يعوضون ذلك  بإعطائي جهاز الآيباد ومشاركتي اللعب ومشاهدة التلفاز ، كنت أحب  اللعب بالشاحنات والشخصيات  والركض مع أخي اياد في الخارج ، لكنني لم استطع الركض سريعاً.

كنت اشعر بالضجر في بداية إقامتي بالمستشفى ولكن بمساعدة الجمعية القطرية للسرطان وعائلتي لم اشعر بالملل بعدها، كان اصدقائي يزورونني ويحضرون لي الألعاب التي تركتها للذكرى ونلعب  بها أنا وأخي اياد أحيانا ، وتبرعت للمحتاجين بالبعض منها ، كانت الجمعية القطرية للسرطان تعطيني الكثير من الهدايا و كان يبعثون الفرح في قلبي عند مشاركتهم فعالياتهم  ورؤية المهرجين والشخصيات الكرتونية بأزيائهم ، عندما  انتهيت  من فترة علاجي أصبح بإمكاني فعل كل شيء ، أصبحت أتناول الطعام  مثل ذي قبل وأتسوق وأذهب للمدرسة ، لم أكن أعرف أن فترة مرضي انتهت عندما تعافيت ،  لذا لم أتفاعل في أخر يوم لي في المستشفى.

قدمت لي الجمعية القطرية للسرطان الكثير من الدعم والتشجيع من خلال دعوتهم لي ولأهلي للفعاليات التي كانوا ينظمونها وكان عيد ميلادي السابع الذي أقاموه لي في مقر الجمعية أجمل أعياد ميلادي.

وتحكي الأم ذكرياتها في هذه الرحلة قائلة :

قصص الأمل وتجارب الناس الحية هي أهم ما يبحث عنه المريض وأهله وهي الحافز الأكبر في منح الأمل. ، فالمريض وأهله يبحثون عن تجارب مماثلة وقصص نجاح تلهمهم الصبر وتبعث فيهم الأمل).

عندما أخبرنا الطبيب بأن سامي مصاب باللوكيميا كانت صدمة كبيرة، لكن وجود أهلنا وأصدقائنا حولنا ساعدنا في تخفيف المصاب علينا قليلاً، إلى جانب مصداقية الأطباء واستجابتهم السريعة وتعاملهم بشفافية كان له دور كبير في تعريفنا بالمرض ومطمئنتنا بعض الشيء، إلا أننا لا زلنا نتذكر فترة إقامتنا الأولى في المستشفى على أنها أصعب مراحل حياتنا، كنا نظن أنها النهاية فكل مانعرفه عن السرطان أنه مرض يصيب الإنسان وينهي حياته، كنا نحاول أن نعرف أكثر عن هذا المرض ونسبة الشفاء ، كنا نسعى لسماع أي تجربة حية تمدنا بالأمل والتفاؤل، كنت أدعو الله أن ينجينا من هذه المحنة حتى نصبح نحن سفراء لنشر الأمل بين المصابين ، استجاب سامي للعلاج وكنا نلاحظ تحسناً في مسيرة علاجه رغم ما تخللها من مصاعب وأمراض،  ونتيجة لنقص المناعة كان يصاب أحياناً ببعض الالتهابات وكان يتوقف العلاج بسببها مثل التهاب الكبد واحتباس السوائل في الجسم والتهاب في القلب ، وكانت التشققات في خده التي يروي سامي قصتها بابتسامة الآن أحد اصعب التجارب التي مر بها، استمرت هذه التقرحات لمدة 30 يوماً ولم يستطع الأكل أو الشرب لذا تضاعف الأمر وتقرح عنده جهازه الهضمي كاملاً من أثر العلاج الكيماوي حتى اضطر الأطباء إلى إيقاف العلاج مؤقتاً حتى يستعيد عافيته.

بعد خروج سامي من المستشفى قررنا أن يكون له دور في التخفيف من آلام الناس ومعاناتهم من خلال زيارة قصيرة يروي لهم قصة نجاحه ويقدم لهم بعض النصائح من خلال تجربته، حتى كانت فعالية الجمعية القطرية للسرطان ” أنا متعافي وسألهمكم بقصتي” حيث قدم سامي قصته حكاية بطل ليصل صوته أسرع ولشريحة أكبر من المجتمع.

الأم: كنا ننتظر يوم شفاء سامي بفارغ الصبر، وأذكر انني صورت هذه اللحظات للذكرى، كانت المشاعر خليطاً من الفرحة بأننا انهينا هذه المرحلة مع بعض القلق من العودة واحتمالية الانتكاس لا سمح الله، لازال هذا الهاجس يراودني حتى الآن وأعتقد أنه سيخف تدريجياً مع الزمن ولكنني أربط أي توعك بسيط لسامي باحتمالية رجوع المرض له.

في الختام أود أن أتوجه بالشكر الجزيل للجمعية القطرية للسرطان التي كانت وما زالت إلى جانبنا بدعمها المادي والمعنوي وببرامجها وأنشطتها الهادفة التي تعني الكثير للأهل وللمريض.

Read more...

فايزة الكعبي : أنا محظوظة بعائلتي، وأرى الحياة الآن أكثر وضوحاً

 وأتاني الألم مرتين ثم استمر وتواصل، وأدركت حينها أنه يتحتم علىّ زيارة الطبيب لسؤاله عما أشعر به. وفي العيادة، أخبرني الطبيب بأنه مجرد تقلص عضلي، وأعطاني مسكن للآلام وانتهى الأمر.. ولكن وبعد انتهاء علبة المسكن أثناء قضائي لعطلتي مع شقيقتي في اسطنبول عاودني الألم مرة أخرى، ولذا أخذت موعد لزيارة الطبيب. وأثناء الزيارة، وصفت له  فايزة الكعبي قصة  ألمها فإذا بملامح الطبيب تتغير .

. أمر الطبيب ببعض الاختبارات للتأكد من شكوكه، وعندما ظهرت نتيجة الاختبارات، ذهبنا للطبيب مرة أخرى وعرفت أختي قبلي بالأخبار السيئة، عرفت من وجهها ” هناك ورم ليفي سرطاني حول الرئة، وانتشر بين الإبطين والبطن “.

صُدمت – وتوقف مخي عن العمل من هول المفاجأة…ولم أصدق. أنا مريضة سرطان!!!!! اعتدت سابقاً أن أشارك في الفعاليات الخاصة بدعم مرضى السرطان واعتدت سماع قصصهم عن كيف صاروا مرضى سرطان؟ لكن كيف حدث هذا لي؟ ليس عندي أي عادات سيئة من شأنها أن تسبب لي مرض السرطان. أنا شخصية نشيطة وحريصة على الحركة باستمرار. لماذا حدث ذلك لي، هل هو اختبار من الله؟ هل هو ابتلاء……إلى أي متى سيستمر؟ هل هو عقاب …………..لماذا أُعاقب؟  ماذا فعلت؟  كيف سيكون مستقبلي…..هل لدي مستقبل من الأساس؟  استمر سيل التساؤلات يشتعل في رأسي بين الفينة والأخرى. كنت أتمزق إربا لشعوري بأني مريضة سرطان. كان الألم مستمراً وكانت نتيجة الاختبارات مؤكدة لتشخيص الطبيب. لم أستطع استيعاب الأمر فظللت أفكر …….وأحدث نفسي هل أتحدث فعلاً عن مرض السرطان. كيف أصبت بالسرطان!!! ولكني أصبت به, أنا مريضة سرطان!

 صارت رأسي متشابكة ككرة الخيط، تجول بها الأفكار يميناً ويساراً كان لزاماً عليّ أن أقرر مدى احتياجي للعلاج؟ وإذ كان لا بد من العلاج فمتى أبدأ؟ كما لا بد أن أقرر أين أحصل على العلاج؟ هل أرجع مرة أخرى إلى الدوحة وأتعالج بها أو أبقى في دولة أجنبية؟ احتاج إلى اتخاذ كثير من القرارات ولا بد من اتخاذها بسرعة. كان القرار صعباً لأني كنت مضطربة وفي حالة من عدم التصديق. وفي النهاية جمعت قواي وقررت أن أبدأ علاجي في الخارج مع نفس الطبيب الذي شخص حالتي.

 وعندما اقترب موعد أول جلسة كيماوي، اتصل بي كثير من الأشخاص ليقولوا لي أني قوية وأنني سأنتصر على السرطان، وبعد فترة بدأت أصدقهم. بدأت تقبل أمر إصابتي بالسرطان. وعند هذه النقطة تبددت صدمتي نوعا من ..

 تغير كل شيء قبل عيد الأضحى المبارك عندما بدأت علاج الكيماوي الذي صدم جسدي. كنت أشعر بالإعياء الشديد والميل إلى القيء، كنت قلقة وضبانة، وشهيتي للطعام مفقودة ، كنت أتمنى لو أن أمي لم تأت لزيارتي وألا تجلب لي الطعام اللذيذ لأنه سينتهي وأنا ما زلت مريضة.. أحسست وكأني صرت إنساناً جديداً لا يعلم ما يريد ولا يعلم كيف يعبر عن نفسه، أحسست أنني أدور في وسط العاصفة؛ وحيدة مع شخص غريب ومهمتي الآن هي التعرف على هذا الغريب. وبينما أنا في وسط هذا الصراع العنيف سألت الله ليلة العيد أن يلهمني الصبر لتحمل كل هذه الآلام وأن انتصر على السرطان. >

وفي أول يوم من أيام العيد شعرت فايزة بأن حالتها أسوأ من ذي قبل. بدت أسرتها وكأنهم في مأتم. وجوههم عبوسة شاردة منهمكة. لا يضحكون؛ لا يبتسمون؛ لا يهنئون بعضهم البعض بالعيد. أضحى العيد عبئاً على عائلتها فهو يذكرهم بشيء ما بداخلها يأكلها بينما العالم بالخارج يستمتع ويحتفل بالعيد.

وبعد أسبوع من أول جلسة كيماوي كان عيد ميلادي. وبينما يعيث الكيماوي في جسدي فساداً، أشعر بتغييرات طفيفة تطرأ على جسدي. كنت أشعر بألم كل خلية سرطانية تموت في جسدي وكنت منهكة للغاية. كان الألم شديداً وعنيفاً بل قاسياً. وصلت إلى نقطة كان السؤال الملح فيها: لماذا أفعل ذلك. لماذا أخضع لكل هذا العذاب؟ لماذا أتحمل كل هذا البؤس؟

 كان السبب معلوماً …وهو سيل الدموع المنزرف من عيون عائلتي ومحاولاتهم الدؤوبة للتخفيف من آلامي وإسعادي ، ففي يوم ميلادي استأجرت أخوتي يختا. وعلى ظهر اليخت اظهر أخواتي حبهم لي؛ أعددن عشاءً رائعاً مجهزاً بالهدايا والكعك وكتبن اسمي بالليزر على جسر البوسفور. كنت أحلق في السماء فوق القمر. تناسيت أحزاني وصرت سعيدة سعادةً جمةً، سعادةَ لا توصف. وفي نشوة البهجة فكرت “لو أني سأموت بعد غد………سأكون مرتاحة وسعيدة””. أعطاني ذلك اليوم جرعة قوية من السعادة ساعدتني على المقاومة والاستمرار.

 عاملتني أسرتي بحب، بل بكل الحب. أظهروا لي مقدار حبهم لي من خلال أشياء بسيطة. مثل أن روائح المنظفات كانت تتعبني فيخبروني بأنه عليّ المغادرة لبعض الوقت فقد حان وقت استخدام المنظفات. كنت أرى مدى قلقهم عليّ. كادت أختي لا تنام لأنها تستيقظ بين الفينة والأخرى لتسألني هل أنا بخير؟ توقفت أمي عن تناول الطعام لأني لا أستطيع تناول الأكل. كانت تطبخ لي الطعام يومياً  رغم ما تجده من صعوبة للنهوض من الفراش والوقوف لإعداد الطعام بسبب مشكلات صحية في ساقيها. ، صرت أخاف على أسرتي لو توفيت أكثر من خوفي من الموت.

وعندما حان الوقت لرجوع واحدة من أخوتي إلى الدوحة لأولادها، كنت أشعر بأن قلبها يتمزق. كانت تترك جزء من قلبها معي بينما الجزء الآخر مع صغارها.  وعند تناول العشاء لآخر مرة قبل مغادرتها إلى الدوحة، صرحت لها بأني لم أكتفي من البقاء معها. ما زلت في حاجة إليها. ما زال هناك الكثير الذي أود أن أقوله لها وأشاركها معها. أتمنى أن نكبر سويا. سأتحمل كل الآلام من أجلك، سأتحمل كل المصاعب والمشاق من أجلك. سأعود إليك يا أختاه. انزرفت الدموع من عيون الجميع بلا حساب. كنت أدرك إنني واحدة من المحظوظين. فلدى الكثير الذين يحبونني ويهتمون بي. فمن لم يكن معي بجسده، كان يتواصل معي بالهاتف دون ضجر أو ملل لتفقدني والاطمئنان على أحوالي.

 استغرق الأمر بعض الوقت حتى تقبلت المرض. فكنت في موقف لا يمكنني التخلص منه.  ماذا كنت أفعل حيال ذلك. أخبرني الطبيب الحقيقة وقالي لي أن فرص البقاء على قيد الحياة عالية.  غير أن بعض الأفراد لا يتحسنون ويؤدي بهم المرض إلى الوفاة. وقال: ” إنه ما زال مرض ، تعاملي معه كأي مرض آخر واتركي لي الدواء وركزي على نفسك”.  وهذا ما فعلته.

بعد ثالث جلسة كيماوي، تعلمت كيف أتعايش مع السرطان. أصبح لدي مقعد داخل الحمام لاستخدامه في حالة الإصابة بالدوار، وأكياس بلاستيكية لاستخدامها عند القيء. أدركت أن الليمون يصبني بالقرف فقررت الابتعاد عنه تماماً.

في مرة من المرات جلبت لي أختي بعض البوظة في غرفتي بالمستشفى من وراء الممرضة لأنه لم يكن مسموحاً لي بتناول البوظة.  كما أُرسلت لي كتب من الدوحة للاطلاع عليها وقت الحاجة. سمحت لجسدي التكيف مع مرض السرطان والعلاج بالكيماوي.

 ولكن وحتى مع دعم أسرتي المتواصل، انتابتني أحياناً لحظات ضعف؛ وخاصة عندما صرت وحيدة معزولة في غرفتي لمدة ستة جلسات كيماوي بدون أي صوت عدا آلات التنبيه التي تطلق أصواتها هنا وهناك. كنت محرومة من أي تفاعل مع البشر. افتقدت كثيراً الاختلاط بالناس وقضاء أوقات ممتعة معهم. ، ارتبطت الوحدة داخل غرفة العلاج بهذا المرض المتقلب وبما يحدثه الكيماوي، مما دفعني إلى عدم القدرة على اتخاذ أبسط القرارات ولذلك سلمت أمري تماماً لأسرتي التي أُحبها وأثق فيها. ،  ففي لحظات الضعف والشعور بالألم، كنت أفكر في الموت ولكن أختي لم تسمح لي التفكير فيه،  قالت لي أنه عليّ أن أتحمل إن لم يكن لنفسي فلها، وهذا ما أغضبني…..لا أستطيع تحمل هذا العذاب. تركتني أختي لأفكاري بعدما انفجرت. فكرت فيما قالته لي وتذكرت ما قلته عندما بدأت العلاج. سأخضع للعلاج من أجلكم أولاً، إنهم فقط ست جلسات من العلاج الكيماوي. بدى لي أن عدد الجلسات كبير جداً وأن الجلسة السادسة بعيدة جداً وصعبة المنال. وبغض النظر عن ذلك كله، خضعت للعلاج والتزمت به وأكملت أول برنامج من العلاج الكيماوي وصار وقت فحص الطبيب للوقوف على حالتي بعد الكيماوي وإلى أي مدى تأثر السرطان.

 لم يكن لدي أي توقعات لنتائج الاختبارات. لم أكن متفائلة أو متشائمة. لم أكن أطمح لأي شيء حتى لا أشعر بخيبة الأمل وأردت ألا أفكر بسلبية. فمهما كانت نتائج الاختبار سأتقبل الأمر. كنت في حالة من الهدوء والسكينة.

 إذا أخبرني الطبيب بعدم استجابة السرطان للعلاج الكيماوي وعدم وجود حلول أخرى، سأغضب ولكني سأتقبل الموت. فالموت ليس نهاية، وبدأت أنظر للموضوع من منظور ديني “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، أعطتني هذه الجملة مزيد من الراحة والطمأنينة وشجعتني على مواجهة الموت. لم تكن أسرتي تحب بالطبع أن تسمع أي شيء من ذلك، ولكن الموت حقيقة لا بد أن نعترف بها. فالموت علينا حق. إذا أخبرني الطبيب أنه لم يتبق لي في الحياة إلا القليل، فسأعود فوراً إلى الدوحة وسأجمع كل أحبابي وأملأ عيوني برؤيتهم قبل أن أغادر هذا العالم وأذهب إلى عالم آخر. وإذا قال لي أن ساعتي قد اقتربت. سأظل في تركيا حتى يأتيني الموت.

 وعلى عكس كافة السيناريوهات التي دارت في ذهني ، قال الطبيب: فايزة، لدي أخبارُ سارةُ ، سألته: ماذا؟

أجاب: أخبار سارة  ، توقعت أن يقول أن جسدي استجاب للعلاج أو أي شيء مما يقوله الأطباء للمرضى حتى يثلجون صدورهم أو يخففون عنهم. ما قاله أعجزني عن الكلام وأوقف لساني.

 “نتيجة الاختبار تظهر أن جسدك خالِ من السرطان“. 

Read more...

رنا شهريار : تَرَكَتْ تجربتي بصمة لا تُمحى وجعلتني أكثر إيجابية

ما زلت أتذكر ذلك التاريخ، إنه محفور في ذاكرتي 14 يونيو 2013 ، شعرت بضيق يتبعه ألم في صدري. لم يكن ذلك الوجع الذي ينتابني بعد ما أبذله من مجهود في تمرين الضغط عندما يكون حملي كله على القفص الصدري. شعرت بالانزعاج من هذا الألم الذي يدفع قلبي في محاولة لترك صدري، وقلبي يستجيب بضربه بطريقة مرضَية أعرفها. ذهبت إلى المستشفى لإجراء مخطط كهربي على القلب، حملتني سنواتي الدراسية السابقة في الفيزياء على أن أكون خبيرا به. ثم وضعوا أنبوب وريدي في يدي، وهو الأول من بين العديد في ذلك العام، ثم صاحبوني لغرفة الأشعة المقطعية.

حكى رنا شهريار- عن تجربته مع المرض قائلاً ” في النهاية تم تشخيصي بسرطان الغدد الليمفاوية. كانت هناك طبيبة تقوم بالتناوب مع الفريق المشرف عليَ، وأخبرتني أن سرطان الغدد الليمفاوية هو بالفعل سرطان، ولكن ينجو معظم المصابين به في عمري. وفي هذه اللحظة كل ما دار في رأسي هو عبارة: “رائع، سأخوض هذه التجربة، وسأتذكرها وأكون مدين لها طوال حياتي القادمة، ضحكت.  تناقشت الطبيبة مع أبواي حول مرضي وبعد الكثير من التردد وقليل من القلق صرحت بأنها ستزورني كل مساء وسنتحدث عن اهتماماتي الدراسية، وما الذي أفعله من أجل المتعة وما خططت للقيام به بعد المدرسة الثانوية … وحدث ذلك عندما خطر لي أنني قد لا أرى أصدقائي لبعض الوقت. سألت والدي عما إذا كان بإمكاني الذهاب إلى المدرسة بعد ذلك، فقالا إن العلاج سيستغرق على الأرجح بضعة أشهر، لذلك لا يمكننا تحديد الوقت حالياً.

ومن أجل تأكيد التشخيص، طلب الأطباء أخذ خزعة، لكن لأنهم كانوا يأخذون عينة من صدري، كان علي أن أكون مستيقظاً أثناء العملية و بمجرد التئام الجرح ، تم تحويلي إلى المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان في قطر وانتظرت في غرفة مشتركة قبل تجهيز غرفة خاصة لي. بدأت في تناول عقاقير لتثبيط الالتهاب حول كتلة الورم، وفي هذه اللحظة من حياتي تقابلت  بأنواع البشر المختلفة الذين يتعاملون معي. تأتي الممرضات كل صباح لفحص العناصر الحيوية وإعطائي الأدوية، قد يمزحن معي قليلاً ويسألنني عما أقرأه. كانت والدتي تأتي مع بعض الطعام وتجلس لبعض الوقت وتسأل عن حالتي قبل أن تتوجَه لاصطحاب أشقائي من المدرسة. أما والدي فيأتي بعد العمل، لنتحدث لبعض الوقت ثم ينام على الأريكة بجوار سريري..

ومع ذلك، كانت تفاعلاتي الشخصية محدودة بشكل عام، وأكون وحدي مع الأجهزة الطبية معظم اليوم.  يقيد المرض صاحبه، لأن الناس يتعاملون معك كشخص ضعيف، غير إنهم يرون القفز من المرتفعات سيؤدي إلى تحريك الكتلة للأسفل والتأثير على القلب، هذا غير الشفقة التي لا تفارق وجوه المحيطين، نظرة لا تروق لي، ولكنها تحدث. وفي يوم ميلادي، زارتني جدتي، وكان على والديّ أن يشرحا لها تشخيصي، رغم أنها قرأت اسم المستشفى في طريقها إلى غرفتي. وأثناء إعطائي كعكتي، قالت لي “لماذا يحدث لك هذا؟ يا لها من حياه بائسة “. للأسف لقد كان نوعًا من التعاطف واليأس الذي لم أره كثيرًا لحسن الحظ، ولكن عندما واجهت ذلك، كان بإمكاني أن أنظرفي أعينهم للحظة وأجد شابًا ضعيفًا لا يشعر بالسعادة وأنه سيموت قريبًا. بالطبع لم نعد في السبعينيات، ونجح العلاج في حالتي وأدركت حينها أن الموت كان احتمالًا بعيدًا.

هناك شيئاً واحداً فقط سأفعله إذا كان بإمكاني العودة بالزمن -كنت سأقضي المزيد من الوقت مع أصدقائي. فسماعهم يتحدثون عن إنهاء السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية في المحادثات الجماعية يجعلني أشعر بأنني ابتعدت عنهم كثيراً؛ على الأقل إذا كان بإمكاني شرح وضعي، فسأكون قادرًا على المشاركة في المحادثة بحرية أكثر. وبدلاً من ذلك حاولت الحد من الانخراط معهم في المزيد من الحوارات محاولاً بذلك تلبية رغبات والداي فعلى الأقل ليس الأمر على مثل هذا النحو من الأهمية.

يقضي العلاج الكيميائي على قدرة نخاع العظم على تكوين خلايا جديدة، بما في ذلك خلايا الدم البيضاء مما يجعلك عرضة للعدوى. وحتى تعيد خلايا الدم البيضاء عملها، أعطاني الأطباء نيوبوجين، والذي له تأثير جانبي نادر وهو التسبب في آلام المفاصل. عانيت أشد المعاناة من هذه الأثار الجانبية، لكم قضيت أيامًا في المنزل جالسًا القرفصاء كالكرة؛ ومع كل حركة أشعر وكأن هناك خنجر ساخن يضربني في المفاصل.  هذا غير نزلات البرد التي لم تفارقني طيلة الوقت. هذه المرة كان من المستحيل إخفاء مرضي عن جيراني وأصدقائي. فليس من السهل إخفاء فروة رأس عارية وحاجبين غائبين.  كان جاري يتردد على كثيراً، ولكني طوال الوقت كنت كالكرة الملتفَة على الأريكة أبحث عن جلسة مريحة. وبمجرد مرور الأيام المريرة، تمكنت من زيارة مدرستي الثانوية. وعند وصولي إلى المكتبة، عانقتني أمينة المكتبة بحرارة منقطعة النظير. كانت تعلم أن لدي هواية ناشئة في لعب الكريكيت ، لذا أعطتني كتابًا عن تاريخ لعبة الكريكيت وجلست كما كنت أتمنى قبل بضعة أسابيع ، أقرأ كتابًا بينما أشاهد شروق الشمس من النافذة. التقيت بأصدقائي وعانقني أحدهم، لكن قبل أن أتمكن من معانقته، اضطررت إلى تعديل رباط أزرق على كتفي. كان على أن أوضح أنها كانت تستخدم في رفع ذراعي، مما أدى بسرعة إلى تخفيف الانزعاج الذي شعر به أصدقائي. لقد مرَ الأمر سريعًا ، وعلى الرغم من أنه كان من الواضح أنني لن أخرج معهم في ذلك اليوم ، شعرت أنني ما زلت جزءًا من صفي.

علمني الوقت الطويل الذي أمضيته بمفردي كيفية توجيه طاقاتي ومحادثاتي إلى الكتابة والشعر، وبالفعل ألقيت الشعر في عروض للمواهب وفي المناسبات العامة.، وجدت الشعر طريقة مثلى تعينني على طرح الأفكار الصعبة وغير المتبلورة التي كانت لدي حول الوقت والفناء. أعتقد أن البعض يرون أن العقلانية تؤدي بالضرورة إلى السخرية؛ ومع ذلك، فقد تعلمت أنه غالبًا ما يكون من المنطقي أن يكون لدينا الأمل وأن نجد المتعة في حقائق الحياة البسيطة.، ما زالت أفتقد روح الدعابة لما واجهته من معاناة واحساس باقتراب الموت، ولكني أؤمن أن الضحك   له أيضا فوائد عظمى. لم تكن الفكاهة ملائمة في هذا الوضع كما يقول الأخرين.

 يرى البعض أن من يطرح النكات أو الفكاهة في الوقت الصعب لا بد من أن لديه مرض ذهني أو عقلي.  رغم أن الدعابة لديها القدرة على شفاء الأرواح المجروحة. فهي وسيلة لدعوة الناس إلى تحدي الهزيمة والتعامل مع مخاوفهم الخفية والعبثية التي غالبًا ما يواجهونها في الحياة. كما أنها تقرّب الناس إلى بعضهم البعض، وهي تقارب الشعر في رقتها وأثرها، لما تمنحه للفرد من مجموعة واسعة من الأدوات لفهم الجميع والسماح لهم بالرد على أفكارهم. لن أقول إنني ممتن لخوض هذه التجربة؛ ومع ذلك، لا أعتقد أن أيًا من هذه المعاناة كانت ضرورية. حيث لا أتمنى إعادة إدخال الكوليرا للأطفال حتى يكون لديهم تقدير أكبر للحياة. هذه مهارات يمكن تعلمها ، وكان من الأفضل أن أتعلمها من صديق أو معلم بدلاً من قضاء شهور في الألم والعزلة.

غالبا ما أخبر الناس عند مقابلتي الأولى بهم بإصابتي بالسرطان، إن تاريخي مع السرطان هو شيء غالبًا ما أُخبر الناس به في غضون دقائق من مقابلاتهم لأول مرة. وبصفتي شخصًا يستمتع بالفكاهة، فإن جزءً من عقلي يستمتع بفرصة قلب توقعات الناس. ويحدث ذلك كثيرًا في صفي أن أتحدث عن حقيقة إصابتي بالسرطان، وهم يتأوهون كلما ذكرت أنني مررت بهذه التجربة. وفي معظم الأيام كنت أسمعهم يقولون، إنه شيء بسيط. ومع ذلك، عندما أسمعهم يقللون من حجم الظروف الأليمة التي تعرضت لها. كنت أود أن يحدث هذا من ورائي ، ولكن أعلم أنه كان صعبًا عليَ وفي بعض الأحيان مؤلمًا. لا أشارك في كثير من الأحيان هذا الجانب من تجربتي. لم أخبرهم بذلك لبضع سنوات بعد المرض، عندما كنت أعود إلى قسم الطوارئ قلقاً من عودة ألم الصدر، أو من شعور بألم في ساقي مرة أخرى، كنت متوتراً لأيام لأنه لم يتغير شيء عضوياً في ساقي. كان الذعر الذي شعرت به في تلك اللحظات حقيقيًا للغاية ، وتَرَكَتْ تجربتي بصمة لا تُمحى على نظرتي وسلوكي. سأستمر في صنع النكات حول تجاربي، وسأكون أكثر ايجابية في توضيح أن هذه المسألة ما زال من الصعب أن أتحدث عنها مع الأخرين، وأنهم مهما تعاطفوا معي فلن يشعروا ما شعرت أو تألمت به في تلك الأيام المريرة.

أثناء قيامي بجولات كطالب في السنة الثالثة من كلية الطب، لاحظت أن زملائي يشعرون بالضيق والقلق من الحالات “الأكثر صعوبة”

 الأمراض المتنقلَة والوراثية والمسببة للإعاقة هي أكثر ما يخشى الأطباء حدوثها. كثيرًا ما يخبرني زملائي أنهم عندما  لا يوجد أمل في النجاه ، يشعرون وكأنهم يخذلون مرضاهم. أنا متعاطف مع تلك العقلية. فنحن كأطباء في المستقبل، نتمنى جميعًا أن نرى مرضانا يغادرون عيادتنا مبتسمين ومستعدين للاستمتاع بحياتهم في صحة وراحة تامة. ، ومع ذلك  أريد أن أقدم مساعدتي في المكان الضروري. بالطبع، لا يمكنني أن أقدم للوالدين طفل مولود بأمراض خلقية متعددة ولن توجد فرصة لرؤية طفلهما يتكلم كلماته الأولى، يخطو خطواته الأولى دون مساعدة، أو رؤيته يكبر ويصل لطول أمه ويقود أسرته في رحلة على الطريق. لا أستطيع حتى أن أقدم للوالدين الكثير من الوقت. لكن يمكنني أن أقدم لهم الإطئنان. غالبًا ما أفكر في لجين، المتدربة التي صادفتها، وأتذكر مدى قوة رغبتها في فعل الخير.أتمنى أن أكون مثلها والعديد من الصالحين الآخرين الذين ساعدوني. أتمنى ذلك كثيراً.

Read more...

محمد شعبان: بالصبر والإيمان أنا متعايش مع السرطان

محمد شعبان, رجل خمسيني  يبلغ من العمر 55 عامًا ، اعتاد طوال سنوات عمره السابقة اتباع نظامًا غذائيًا صحيًا مصاحباً لنظاماً رياضياً ، لديه مزرعة منزلية صغيرة يزرع بها أنواع مختلفة من الفواكه والخضروات، وذلك لما تحظي به هذه المزروعات من فوائد واسعة لصحته وصحة أسرته. فعلى سبيل المثال، يزرع محمد شجرة المورينغا بمزرعته  ؛لما لها من فوائد طبية فهي تقلل نسبة السكر في الدم ولها تأثير مضاد للالتهابات والأكسدة.

وصف محمد شهر مارس 2017 بأنه الوقت الذي “سقط فيه”، والذي بدأ بإمساك خفيف، ونسبه في وقتها إلى تناول الرمان؛ ولكن استمرت أعراض الإمساك لمدة 10 أيام، فقرر تناول أدوية مسهلة، لكن حالته لم تتحسن. وبدأ القيء في الظهور، وكان شديدًا مما أدى إلى شعوره بالإعياء والتعب الشديد. أدى تراكم كل هذه الأعراض إلى عدم قدرته على المشي، ومن ثم استدعى سيارة الإسعاف على الفور.

 أجري محمد الكثير من الفحوصات. فخضع للتصوير المغناطيسي والأشعة المقطعية، مما أوضح احتمال إصابته بسرطان القولون (المرحلة الثالثة). لم يتخيل محمد هذا التشخيص أبدًا، فجل ما جال في خاطره هو أن تعود هذه الأعراض إلى أمراضٍ عابرةٍ يمكن القضاء عليها بسهولة ولن تستمر أكثر من بضعة أيام.

انتقل إليه الخبر بأساليب على درجة عالية من الود واللطف، بعيدًا عن والديه كما طُلب. وبمجرد استماع محمد إلى التشخيص، تراءى في ذهنه على الفور الجراحة وما يتبعها من مضاعفات. كان شعبان مهيأً لمواجهة الصعوبات التي جلبها له مصيره فصاح قائلاً :”سرطان؟ لا يهمني ذلك” عندما سألته عما شعر به حين أخبره الطبيب عن حالته والتشخيص وكيفية إدارة المرض . أثبت “محمد” على أرض الواقع أن كل شخص لديه القدرة على التغلب على المرض فور تعلمه كيفية التعامل معه. كان “محمد” متواصل التفكير في المضاعفات التي يمكن تجنبها؛ فأحد هذه المضاعفات التي كان يرهبها هي وجود كيس القولون ، والذي يُوضع مؤقتًا حتى يُعاد الاتصال بين القولون والمستقيم. لقد كان محمدٌ قلقًا وجلاً من نظرة أصدقائه وعائلته إليه ومن وجود كيس خارجي للبراز. لقد ظن أن هذا قد يضعف صورته وسمعته أمام الجميع.

تواصلت المناقشات لفترات طويلة حتى قرر الطبيب أهمية التدخل الجراحي العاجل لأن المريض يعاني من انسداد في الأمعاء، مما قد يؤدي إلى عواقب مميتة. حاول الطبيب إدخال أنبوب ليتخلص من جميع السموم المتواجدة داخل البطن، لكنه لم يتمكن من ذلك. وفي ذات اليوم، وصل جراحٌ آخر إلى قطر واستُدعي إلى غرفة العمليات. صمم هذا الجراح على عدم مغادرة غرفة العمليات حتى يتمكن من إدخال الأنبوب. وصفه “محمد” بأنه هذا الطبيب من النوع الذي يثق ويؤمن بإرادة الله، فاستطاع إدخال الأنبوب دون أي مضاعفات على محمد. قال محمد “كانت جميع المضاعفات المترتبة على هذا الأمر كارثية لولا لطف الله وقدرته”، موقناً بأنه في طريقه إلى التحسن والشفا، استغرقت عملية إزالة السموم من جسده قرابة الساعة والنصف . شعر بعدها بتحسن وراحة. تم استئصال نسبة 80٪ من القولون والعقد الليمفاوية المحيطة.

وصف “محمد” هذه الأيام بأنها مثل رحلة تعبر خلالها الأطلسي وما به من مدٍ وجزرٍ ، ولكنها مرت بسلام وأمان في نهاية المطاف . ومع ذلك، ومع انتهاء هذه المعركة، نشأت معركة أخرى لاحقة، وهي رحلة العلاج الكيميائي. كانت أثار العلاج الكيميائي شديدة ومرهقة. عاني  “محمد” من الإسهال ، وفقدان الوزن حيث خسر 20 كجم. ومع ذلك ، شعر بالارتياح لأنه وصل إلى حالة من الفوز في معركته ضد السرطان ؛ الآثار الجانبية لم تكن مهمة لأنه اجتاز عاصفتين من عواصف السرطان ، وهما الجراحة والعلاج الكيميائي. كان يعلم أنه وصل إلى خط الفوز بإرادته.

لم تتخلى أسرة محمد وعائلته وأصدقائه عنه خلال هذه الفترة، فكانوا على درجة ملحوظة من التفهم والرقي. على الرغم من شعورهم داخلياً بأن السرطان وصمة عار، إلا إنهم جميعاً تغيروا وتقبلوا الأمر ؛ لقد ازداد تقبلهم لمرض السرطان مع الوقت وأصبح بالنسبة له – مماثلاً لأي مرض آخر يمكن علاجه، ينبغي على الجميع ألا يعتبر السرطان نهاية لحياة المرء.

أصيب “محمد” بفتق في البطن بعد ثمانية أشهر من الجراحة. سعى للعلاج واكتسب المزيد من القوة لمواجهة هذه المضاعفات الجديدة. فبحث عن العلاج البدني والنفسي معا. فهو “لم يفقد الأمل أبدًا”، استطاع “محمد” اجتياز هذه الرحلة المروعة وما استدعته من محاربة السرطان والتغلب على مضاعفاته.

 كان السرطان “ضيفًا مباغتا”، ولكن مثل أي ضيف آخر، يستلزم منك تقديم واجب الضيافة والترحيب به. وبالتالي ينبغي للمرء خلال هذه الرحلة – أن يتحوط بأسرته وأصدقائه الداعمين له ، فهم من يجلبون له مشاعر الفرح والسعادة ، وهم نفسهم من يعطون له القدرة على احتضان هذا المرض بدلاً من السماح له باستنزافه. لا تسمح لهذا المرض بالسيطرة على حياتك واعتباره مرضًا مميتًا، فالضربة التي لا تميت تقوي ، فالسرطان بداية لحياة جديدة وليس نهاية.

 انطلقت مبادرة “خطوة الأمل” بالتعاون بين الجمعية القطرية للسرطان والمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان ، والتي تهدف لدعم المتعايشين مع السرطان بشكل عام والتأكيد على أن السرطان يمكن الشفاء منه ويمكن للمرضى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، إلى جانب التأكيد على أهمية الدعم النفسي والمجتمعي لهذه الفئة لجعل فترة المرض وما بعدها أسهل، وكذلك أهمية إتباع نمط حياة صحي متمثل في ممارسة الرياضة والغذاء الصحي للوقاية من الأمراض لاسيما السرطان.

حيث قمت خلال هذه المبادرة بقطع حوالي 555 كم مشياً كمرحلة أولى ومن ثم استكمال الجولة لقطع 2022 كم كهدف لاحق وتم اختيار هذا الرقم بمناسبة استضافة قطر لمباريات كأس العالم 2022 حيث اسعى إلى قطع ما يقرب من 25 كم يومياً بمعدل خمس ساعات.

وأود التأكيد بأن  هذه المبادرة فرصة لتعزيز دور النشاط البدني في الوقاية من الأمراض لاسيما السرطان  تماشيا مع رؤية الدولة  2030 للارتقاء بصحة الإنسان ، إلى جانب التأكيد على العلاقة الوثيقة بين السرطان والحالة النفسية  والتي قد تسهل أو تمنع العلاج.

 وفي الختام، أود أن أوجه شكري وامتناني للجمعية القطرية للسرطان لتبنيها لخطوة أمل التي تعتبر المبادرة الأولى من نوعها في العالم، ولكل ما يبذلونه من جهد ودعم متواصل.

 

Read more...

ماوية ناجية من سرطان الثدي: سألهمكم بقصتي مثلما ألهمني الأخرون

بعد يوم طويل ومتعب، شعرت السيدة/ ماوية، بتشنجات قوية في عضلات الرقبة، تجاهلتها لفترة معينه ظناً منها انها حالة إرهاق عابرة ،لكن عندما استمرت هذه التشنجات وبدأت في إعاقة حركتها قررت ا الرعا الطبية.

بعد اجراء صورة أشعة للرقبة تم استبعاد أمراض العظام، ووصف لها الطبيب أدوية لإسترخاء العضلات ونصحها بالخضوع للعلاج الطبيعي. ولأنها عقدت العزم على عدم السماح لآلامها بالتأثير على عملها وإنتاجها، واصلت ماوية الذهاب إلى جلسات العلاج الطبيعي على الرغم من ملاحظة عدم حدوث تقدم في الحالة وازدياد الالم ، وأكملت  بعض الجلسات قبل أن تبدأ بالشكوى من ارتفاع حرارة جسمها.

  واصلت السيدة/ ماوية بحثها عن استشارة أطباء آخرين ،  ولكن أثناء هذه المرحلة شعرت أن الألم ينتشر رويداً رويداً إلى أطرافها كما وصل إلى الحوض وبدأ بإعجازها عن الحركة بشكل تدريجي. وبعد عدة اختبارات وإشاعات وتشخيصات متعارضة، تم تحويل السيدة/ ماوية إلى طبيب الأورام الذي طلب أشعة للثدي. وعندما تم العثور على كتلة في أشعتها، كانت ماوية في حالة من الإنكار، فلم تكن تدري كيف  انتشرت إلى العقدة الليمفاوية وسببت هذا الألم الذي وصل إلى العظام. لذا اتجهت للأشخاص المحيطين بها لتوجيهها نظراً لقلقها وارتباكها. و قدم لها العديد من الأصدقاء وأفراد العائلة اقتراحات حول طرق علاج مختلفة يمكن أن تجربها مثل الأعشاب والمكملات الغذائية والحجامة والوخز بالإبر. وبالرغم من تجربتها العديد منها، إلا أن كل هذه الطرق لم تجدي نفعاً ، وأخيراً  تواصلت مع بعض الأطباء للحصول على خزعة العقدة الليمفاوية.

دخلت السيدة/ ماوية المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان حيث زادت ألآمها وتضاعفت مما استدعى أخذ مسكنات قوية وتلقي تغذية وريدية لأنها شعرت بنفور قوي من الطعام وفقدت قدرتها على الحركة، ومع عدم وجود تشخيص مؤكد للحالة، بدأت ماوية باقناع نفسها بأنها مصابة بالسرطان وأنه لابد من عمل الخزعة للتأكد من ذلك، بالرغم أنها خضعت للعديد من الفحوصات والاشعاعات إلا انها لم تجزم إصابتها بالسرطان وكان لابد من الخزعة. بدأ الأمر كأنه إجراء بسيط للطاقم الطبي ولكن بالنسبة لها كان الأمر هائلاً، فهي المرة الأولى التي أخضع فيها إلى إجراء مماثل، فاخترت التخدير الموضعي خشية من مضاعفات التخدير الكلي، لكني لم أتوقع تأثير اليقظة علي خلال الإجراء، فلقد احتاجت بعد ذلك إلى طبيب نفسي لمساعدتي على التغلب على هذه التجربة “البسيطة” و”الكبيرة” في آن معا.

  مرت أيامها بطيئة جداً في انتظار نتيجة الخزعة، كان الطاقم الطبي يتحدث عن خطة العلاج، ولكنهم نسوا أن يشرحوا لها التشخيص أولاً، فقد افترض الجميع أنها تعرف مرضها بالفعل. أخبرها أحد الأطباء أنها محظوظة لأنها تملك مستقبلات جيدة للأدوية المستخدمة في علاج سرطان الثدي، ولكنها في تلك اللحظة لم تشعر أنها محظوظة علي الإطلاق، كان يدور في رأسها إعصار من الأسئلة، وكان منبع صدمتها أنها كانت تتبع أسلوب حياة صحي؛ فكانت تمارس الرياضة بإنتظام وتأكل أطعمة صحية ولا تدخن. ولذا انتابتها صدمة عارمة وشعور بالأسى، كما أنها لم تستطع فهم الكم الهائل من سبل العلاج والإجراءات التي كان من المفترض أن تمر بها لاحقاً نظراً لإنتشار المرض في جسدها ووصوله للمرحلة الرابعة من مراحله.

 أدركت السيدة/ ماوية مع الوقت أن هذا اختبار من الله وأن علاقتها مع خالقها قوية ويمكنها عبور هذه المحنة، فبدات بالتمعن في هذه الرسالة، هل كان هناك شيء تحتاج لتعلمه؟ هل ستنتهي رحلتها مع الحياة هنا أم لازال هناك ما ينبغي إنجازه؟ بدأت ترى الحياة من منظور اخر ووجدت للحياة معاني جديدة في كل جزء من رحلتها.

كان العلاج الإشعاعي مرهق ومتعب بل مخيف جداً بالنسبة لها ، لكن نوراً في قلبها جعلها تتذكر الآية القرآنية ”  قُلْنَا يَٰنَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ ” الأنبياء 69 ” ، فكانت تردد الآية مراراً وتكراراً حتى تنتهي جلساتها، مما ملئ قلبها بالطمأنينة وجعل الآثار الجانبية أسهل عليها.

  قالت السيدة/ ماوية أن رحلتها كانت لتكون أكثر صعوبة دون دعم الأشخاص المحيطين بها. كما أنها لم تنسى ما قدمه فريق العلاج الإشعاعي بالمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان من لطف واهتمام وعناية إنسانية، حتى مع جداولهم المكتظة لم يتوانوا أبداً عن توفير الوقت لضمان راحتها بأي طريقة ممكنة. فهي لم تنسى تلك الفتاة التي تعمل كأخصائي فني والتي لاحظت أن حجاب السيدة/ ماوية ينحسر عن رأسها فأخذت الوقت لتعديله على الرغم من أنها على ديانة أخرى. وقالت بالرغم من أن هذه اللفتات الصغيرة يمكن أن تبدو تافهة للبعض إلا أنها تترك وميضا براقاً داخل قلوب المرضى. وشئ آخر كان مشجع لها في رحلتها هي القصص الملهمة للناجين من السرطان التي كانت تقرأها شقيقتها لها طوال فترة العلاج. ولذا فهي تأمل أن تلهم قصتها الآخرين وأن تساعد على شفائهم.

  استمرت السيدة/ ماوية في الذهاب إلى المستشفى وتلقي العلاج الكيميائي وكان جميع العاملين في  المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان على أعلى مستوى من الكفاءة والعون واللطف مما سهل عليها مراحل العلاج جميعها.

بدأت ماوية تنصت إلى جسدها جيداً، وفضلت عدم الإصغاء للنصائح غير المرغوب فيها والمتضاربة من حولها ،فقد احست أن جسدها يطلب الأشياء التي يحتاجها من راحة وطعام  وصحة نفسية. فقد أدركت أهمية الرعاية الذاتية بعد سنوات من الاعتقاد أن حب الذات وإعطاء الأولوية للنفس ضرب من الأنانية . فهي  الآن تهتم بالأشياء التي تحبها  أكثر حيث تقرأ العديد من الكتب وتعلمت فن الكروشيه والتلوين أثناء مكوثها في السرير وتمارس التنفس التأملي واليوغا، كل هذه الأنشطة ساعدتها كثيراً في رحلة التشافي.

والرسالة الأهم التي أدركتها هي تقدير النعم اللتي تبدو صغيرة لكنها أكبر بكثير من أن نستطيع شكر الله عليها ، فقد فقدت في رحلة مرضها القدرة على المشي بمفردها وتناول الطعام والتذوق والشم والاستحمام والكثير من الأشياء الأخرى التي يعتبرها الإنسان من المسلمات ، بعضها بسبب المرض والبعض الآخر بسبب العلاجات المستخدمة في علاجه. لكن ولله الحمد اليوم وبعد ثلاث أعوام من تشخيص المرض استعادت ماوية حواسها وقدرتها على الحركة وعادت لتقوم بممارسة حياتها بشكل طبيعي والأهم من ذلك أنها أدركت قيمة الحياة وتعلمت أن كل يوم يعيشه الانسان هو عبارة عن هدية يجب تقديرها والاحتفاء بها ويجب أن يذكّر الإنسان نفسه بأن يتعامل مع جسده وعقله وروحه بإنسانية واحترام كما يتعامل مع أغلى أحباءه ، أدركت السيدة ماوية أن الإنسان يجب أن يستمتع بصحبة نفسه وتقديرها أكثر وفهمها، والأهم مسامحتها والعزم على أن تكون كل يوم أفضل من اليوم الذي سبقه، فعندما تحب نفسك وتقدر كل التجارب التي خضتها ،تستطيع أن تحب وتمتن لخالقك وتقدر كل ما حولك .

كل تجربة قاسية تخوضها في حياتك تنقلك إلى مستوى أعلى من الوعي الذاتي ،تُعيد ترتيب كيانك ، تجعلك إنساناً أكثر ثراء على المستوى الروحي و تصنع منك تحفة فنية تضيف لمسة سحرية للحياة التي تعيشها.

 قد يشتتك إعصار الألم الذي تمر به ،حلّق مع الريح حتى لا تكسرك ،ناجي الله بقلبك  سيرسل لك نوراً ينتشلك من العاصفة، حاول أن تكون مرناً ومارس شيئاً جديداً تحبه لكي ينسيك الألم حتى تمر الأزمة بهدوء وتجعلك إنساناً ولد من جديد مثل حجر من الألماس يزداد لمعاناً و ثراءً كلما صُقِل .

Read more...

أليسون استون: إجراء مسحة عنق الرحم كانت سبباً في شفائي

اسمي أليسون ستون، حاصلة على درجة الدكتوراه في الميتافيزيقيا، واسم الشهرة /الدكتور ة أليسون ستون. جئت إلى قطر لافتتاح مركز لرفاهية السيدات والسبب الذي دعاني لذلك هو إصابتي بسرطان عنق الرحم عندما كنت في الثلاثين من عمري. ولذاك السبب فإنني أعزو نجاحي اليوم في حياتي إلى تلك الحادثة التي وقعت منذ عدة سنوات. تجاوزت رحلة السرطان منذ 27 عامًا وأدرك كم تغيرت حياتي إلى الأفضل خلال تلك الفترة، وفي السطور القادمة ملخص موجز عن رحلتي:

 تزوجت في سن 18 وُزقت بطفلين ، عندما كنت حاملاً في طفلي الثالث، ذهبت لإجراء فحص روتيني فاكتشف الأطباء وجود تليفات سرطانية، ومن أفضل الأشياء التي أحمد الله على وجودها في المملكة المتحدة أنه في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت مسحات عنق الرحم متاحة للنساء: ولكنها لم تكن إلزامية، ولم يكن هناك تشجيع مجتمعي عليها بالرغم من كونها متاحة، وبعد ولادة ابنتي الأولى أجريت هذه المسحة وأيضاً بعد ولادة ابنتي الثانية، لذلك أنضح كل السيدات بإجراء هذه المسحة دورياً والتي لولاها لم أكن معكم هنا اليوم.

 يعتبر سرطان عنق الرحم الذي أصبت به من أشرس أنواع السرطانات، ونظرا لأنني كنت حاملاً في ذلك الوقت. ذهب السرطان إلى العقد الليمفاوية، وعندما جاء موعد ولادتي كنت قد وصلت إلى المرحلة الرابعة، لذلك أنا أولي اهتمامًا شديدًا بالحفاظ على صحة المرأة.

قررت بسبب هذه التجربة، أن أعيد النظر في حياتي وأن أحافظ عليها. إن تجربة الجراحات والعلاجات التي تمر بها تؤثر عليك تأثيراً عميقاً، ولكني أعتقد أن الخوف أعمق كثيراً من هذه التأثيرات، فالخوف الذي واجهته منذ سبعة وعشرين عاماً لا يمكن نسيانه أبداً. ولكني الآن عندما أتعرف على مجتمعات مثل الجمعية القطرية للسرطان، أعجب بها أشد الإعجاب لأن النساء يجدن في مثل الجمعيات الدعم المطلوب. لوكنت حظيت بشيء مشابه عندما أصبت بالسرطان فلربما كانت أموري تغيرت كثيراً واختلفت رحلتي في الحياة.

عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، ومثلي كأي أم ، لم أكن أعرف معنى سرطان عنق الرحم. ففي ذلك الأوقات لم يكن الأطباء يعلمون أن فيروس الورم الحليمي البشري هو السبب في سرطان عنق الرحم؛ فهذه المنطقة من جسد المرأة كان ممنوع التحدث عنها ,  أتذكر في اليوم الرابع بعد الجراحة – بعد 14 ساعة من الجراحة – بدأت في البكاء. وأتذكر أن الممرضة حضرت إلينا لتقول: “أوقفن البكاء هناك أناس أسوأ حالاً منكن”. أتذكر أنني لم أتكلّم مرة أخرى أبداً. لم أكن قد تحدثت أبداً عن الألم الذي أحسست به، بل لقد امتصصت الألم ولم أحرك ساكناً بعدها. كان من المستحيل التحدث عن هذا النوع من السرطانات بطلاقة، أتعجب الآن عندما أفكر أن الأمر استغرق حوالي 10 أو 15 سنة حتى أصبح التحدث عنه سهلاً. والآن وبعد أن أصبح لدينا علاج كيماوي يسقط الشعر فإننا أصبحنا نحتفي به وهو أمر طيب، وأعتقد أن وسائل الإعلام الاجتماعية ساعدت في هذا الأمر والتي تشكل وسيلة هامة  يمكن للناس من خلالها أن يتحدثوا عن تجاربهم الخاصة. ورفع الوعي المجتمعي.

لقد اخترت السيطرة على حياتي، فسلكت مساراً روحياً ـ لا أنكر أنني كنت خائفة، ولكني أظن أن تعلم بعض الأشياء مثل التأمل والتعرف على جسدك يمنحك شعوراً بالسيطرة. ، لأنه عندما يتم تشخيص إصابتك ويقول الطبيب “أنت مصاب بالسرطان، في المرحلة الرابعة، وهذا أمر خطير” ـ فأنت تسلم كل شيء إلى الأطباء، ينتابك شعور باليأس، وترى أنك الآن تحت رحمة الناس الذين يقولون لك: “عليك إجراء هذه الجراحة، عليك أن تحصل على هذا العلاج الكيميائي، عليك أن تحصل على هذا العلاج الإشعاعي” ولكنك ما زلت لا تعلم ما هذا المرض.

من هنا يأتي دور مجموعات الدعم ، حيث بدأ الأطباء في إدراك حقيقة مفادها  ” أن المرضى يحتاجون إلى بعض الرعاية العاطفية”  ، ففي حالتي كمريضة لست فقط شخصاً يجري عملية جراحية ويفحص علاماته الحيوية، أنا مريضة أمر بمرحلة غيرت حياتي تماماً  ، تم استئصال الرحم – وصرت في مواجهة حقائق واقعية شديدة الألم؛ فلن أنجب أطفالاً مرة أخرى، قد أموت وأترك أطفالي، زوجي قد يهجرني ويبتعد عني للأبد، هناك ندوباً في كل مكان ــ لم يعالج أحد هذه الحقيقة، ولم يمد أحد يده لي بالمساعدة. كانت الأمور والظروف قاسية للغاية  مثل  ” لا تتحدثي عن السرطان ” ، لذلك  ينبغي لك أن تكون ممتنة لكونك ما زلت على قيد الحياة والآن أشعر أن الناس يمكنهم الحديث عن تجربة السرطان، بل ويمكنهم معالجتها، وأعتقد أن الفرق في قطر, أن الجميع كانوا ممتنعون عن التعبير عن كلمة السرطان. وخاصة نساء الشرق الأوسط اللأتي يضعن أطفالهن في المقام الأول من حياتهن، ولذلك كن لا يرغبن في الاعتراف بمرض السرطان أو التعبير عنه..

 لقد خاطبت مجموعة من سيدات الشرق الأوسط منذ 12 سنة وحاولت إقناعهن بالحصول على فحص للثدي واختبارات مسحة عنق الرحم ، فكان الرد دائماً أنهن لن يفعلن ذلك لأنهن لا يردن أن يعرفن ويرجعون الأمر إلى القدر والابتلاءات التي يمر بها الانسان   وفي أي من الحالتين يشعرن بأنه ليس بوسعهن منع هذا القدر ويجب الرضا به وتقبله. ولكن جيل نساء اليوم بات مختلفاً، فصرن يقولن: بوسعنا أن نفعل شيئاً حيال ذلك، وخاصة الناجين. أصبحن يستخدمن بعض المصطلحات الجديدة مثل الناجيات من السرطان، كما أنهن هجرن بعض الكلمات مثل “وفاة نتيجة الإصابة بالسرطان” ليستبدلنها بعبارة “رحلة السرطان”، “التغيير”، “القوة”، “تغيير نمط الحياة”   وتوجهن أكثر للكلمات الإيجابية والابتعاد عن الموت والهلاك.

من أكثر المواقف التي مرت بي وما زالت محفورة في ذاكرتي هو أنني بعد التشخيص الأولي الذي قمت به، رجعت إلى البيت بصحبة زوجي، وحين أخبرته، رأيت نظرة الخوف في عينيه، وعندها أغلقنا الحديث في هذا الموضوع. أتذكر أنهم قالوا لابد من إنهاء الحمل، لأن الحمل من شأنه أن يزيد من الإصابة بالسرطان، وأتذكر أنني فكرت، “ماذا أفعل؟”. ما هو التصرف الصحيح؟  هذه هي الفرصة الأخيرة لإنجاب طفل لأني سأجري استئصال الرحم فيما بعد. ماذا أفعل؟  ومرة أخرى أنظر إلى وجه زوجي وعجزه عن الرد عليّ ولم أخبر أحداً.  حملت هذا العبء وحدي، مع يقيني بأنه قد يؤدي بي إلى الهلاك. حتى أنني لم أستطع أن أتحدث عن حقيقة إنهاء حياة طفلي أو عدم إنهائها، لأنني لم أكن أريد أن أتواصل مع أي شخص، لم أكن أريد أن أرى الخوف في أعين الآخرين. ففي تلك الأيام، عندما تقول كلمة سرطان، يقابلك الأخرين دائماً بالصمت. ولذلك لم أخبر أمي أو أي شخص إلا بعدما أنهيت كافة الجراحات. وبالطبع عندما كنت في المستشفى

 بدأ الناس في القدوم لزيارتي. وأنا أجاهد مع نفسي للتحلي بالشجاعة والقضاء على مخاوفي، لأن الخوف الذي رأيته في أعين الآخرين ينعكس على مكنون قلبي. ولكن مع مرور الوقت والانتهاء من العملية أدركت أن الصمت أنقذني على نحو ما، كنت اتحدث كثيراً إلى نفسي، وأصمت عن الحديث حول السرطان مع الآخرين، لأتظاهر أن كل الأمور على ما يرام، وأنني أتطلع دائماً إلى الأمام. ، وفي الليل عندما أخلد إلى نفسي أو أذهب إلى الخلاء أشعر بالحاجة إلى الصراخ.. البكاء…النحيب.

لم أستطع إخبار أي شخص عن مرضي بالرغم أنني قضيت في المستشفى ستة أو سبعة أسابيع تقريباً. وعندما خرجت من المستشفى، طلبت من أمي أن تتولى رعايتي، ولذلك كان علي أن أخبرها بمرضي. لم أخبر بناتي قط حتى بلغن الثامنة عشرة . لم أكن أريد لهم أن يخافوا علي من الموت. ولم أكن أريد أن أزرع هذا الخوف بداخلهم ،  كنت أنا من منعت نفسي عن إخبارهم. كنت دائما ألتمس لنفسي العذر بأنهم لم يبلغوا من العمر ما يكفي، ولم أكن أريد أن أراهم مذعورات، ولكنني في الوقت نفسه كنت أريد منهم أن يتحلوا بروح المبادرة في فحص السرطان، وهذا كان من أكثر التحديات التي واجهتها في حياتي. ، كان يتحتم على إخبارهم. خضعت بناتي للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي، ويذهبن بانتظام لعمل مسحة عنق الرحم وما أدركته هو أنني لو كانت لدي الشجاعة الكافية للتصدي لهذا الأمر في وقت سابق، لجعلتهن يخضعن للمسحات في وقت مبكر، ولكن ما يهمني هو أن أتناقش وأتحاور معهن حول السرطان في وقت سابق وهو ما فعلته في نهاية المطاف. أعلمتهن أخيراً  بالأمر ورأيت أنهن غير خائفات., أعتقد أن ذلك يرجع لنعمة الانتظار، فهم يروني الآن بعد 22 عاماً شخص نشط يتمتع بصحة جيدة، والآن يفهمن حاجتي وما أطلبه منهن لأخذ خطوات استباقية. أما بالنسبة للآخرين؛ فقد فقدت الاتصال مع عدد قليل من الناس بعد مرضي ،  أظن أن بعض صديقاتي كن خائفات ، لأنني كنت شابة وصحيحة جسدياً إلى حد كبير. كان هذا هو الأمر الرئيسي لم أكن شخصاً مريضاً. كنت سليمة جسدياً وأولادي أصحاء جداً.

ولكن ما فعلته تجربة المرض بالنسبة لي مهد لي طريق حياتي الذي سلكته منذ ذلك الوقت. فالخيارات التي قمت بها في مجال التطوير والتنمية الذاتية والمهنية يرجع أساسهم إلى التجربة التي مررت بها والرحلة التي خضتها. فهي ما دفعتني إلى دراسة الدكتوراه في الميتافيزيقيا، فأنا منذ ذلك الحين حريصة جداً على تعلم علم الوراثة اللاجيني، لأن هذا العلم يساعدك على الفهم الكامل للخلايا الجسدية، كما أنه يعلمك أن الخلايا ما هي إلا انعكاس لبيئتك وليس الحمض النووي فقط، ولهذا السبب تتغير الجينات الوراثية. ، إن الخوف المزمن وعدم الاعتناء بالنفس، يؤثران على جيناتك وهو أمر مخيف ولذلك عليك أن تنتبه  ، عليك أن تؤمن وتقتنع بأنك قادر على تغيير بيئتك إلى الأفضل. لابد وأن تدرك أن أهمية هذه البيئة الداعمة ، واستبدال الخوف بما يقدموه لنا من دعم ومساندة. لأن الخوف شديد السمية، وقد يؤثر علي جسدك ويؤذيه. بل ربما يصل الأمر إلى الجينات.

عندما ذهبت لإجراء الجراحة، كنت شجاعة ولا اهاب المرض. أخذت نفساً وذهبت إلى هناك وأنا أحدث نفسي بأنني قوية وشجاعة وسأجتاز هذا الزائر الكريه. أعتقد أن الجانب الروحي للمرض هو الإيمان، ومدى قوته لدى الشخص، وكيف يمكن للإيمان أن يكون مصاحباً للمريض طوال فترة علاجه.

لقد جعلني المرض شخصاً أفضل فقد أوضح لي ما دوري وهدفي في الحياة ـ عندما أنظر إلى كل الأشياء التي كنت أخطط لها قبل إصابتي بالسرطان، أجدها تغيرت عبر تلك السنوات، لأجعل حياتي مكرسة للرعاية والطب الوقائي. ومن ثم حصلت على درجة البكالوريوس في الطب البديل. بعد أن كنت ربة منزل وأم لثلاثة أطفال – من كان ليتصور ذلك؟ درست علم الأيورفيدا في الهند. من كان يظن أن ربة منزل كانت لتفعل ذلك؟ بوسعي أن أتطلع إلى الوراء لكي أرى أن كل شيء قمت به دون خطة قادني إلى الحصول على درجة الدكتوراه، وإلى التواجد في قطر لبناء مركز طبي يهتم بصحة المرأة،، وأخيراً و بعد 27 عاما استطعت رواية قصتي على الأخرين ومشاركتها معهم.

حتى في السنة الخامسة التي كنت فيها خالية من السرطان، كنت أتعرق وينتابني الأرق، وأفكر ماذا لو عاد السرطان؟ المثير للاهتمام أنك لا تفعل ذلك مع أي مرض آخر. إن كل المصطلحات التي نستخدمها تصف هذا المرض بأنه وحش، وبمجرد أن تكون في قبضته فإنه يستحوذ عليك، ولكن إذا كان بوسعنا أن نغير الحوار ليكون “كم تبدو نشيطاً وقوياً اليوم” أو “إن خلاياك الدموية رائعة اليوم”. إذا ما بدلنا أساليبنا في التعامل مع السرطان واجتهدنا في صياغة مفردات إيجابية جديدة، كأن نقول “دعونا نرى ما إذا كان بوسعنا أن نضيف قائمة للأعمال التي سنجريها في الأعوام الثلاثة القادمة الخالية من السرطان”، قد تكون هذه محادثة مختلفة تماماً حول المرض، بدلاً من أن تقول “دعونا نرى ما إذا كان قد عاد” أو “دعونا نرى ما إذا كنت  خاليا من السرطان”

أرى أنه من المهم لمهنة الطب أن تعيد صياغة الطريقة التي تتحدث بها عن السرطان مع المرضى. فتغيير عبارات مثل “أنا آسف للغاية، ولكن لا بد من قدومك إلى المركز الصحي…” أو “لن نتصل بك إلا إذا كان هناك مشكلة صحية ما” ــ أو نغير بعض العبارات التي يسمعها  المريض مثل: “سنهاتفك  إذا كنت مصاباً بالسرطان، لأن هذه النوعية من العبارات تزيد من القلق والاضطراب أثناء ساعات الانتظار. إذا مررت بتجربة فحص إيجابية، سيكون من السهل عليك معاودة الفحص مرة أخرى. بدلاً من إخبار المرضى “بأنهم لن يظلوا على قيد الحياة أكثر من شهرين”، لماذا لا نخبرهم بأن النظام الطبي سيبذل قصارى جهده لإرسالهم إلى بيتهم ويدفعهم إلى التركيز على نوعية حياتهم، ونظامهم الغذائي.

Read more...

منيرة عيسى : ثلاث أسلحة لتفوز بالمعركة

اسمي منيرة عيسى، فتاة أردنية أبلغ من العمر20 عامًا، أعيش في قطر وإحدى  الناجيات من مرض السرطان. قبل تشخيص إصابتي بالسرطان ، اعتدت أن ألعب جميع أنواع الرياضة، ولكني كنت أفضل الركض والجمباز. كنت معروفة بين أفراد عائلتي وبين زميلاتي باسم مثيرة الشغب. حين وصلت لتوي لسن البلوغ، تم تشخيصي بمرض السرطان لأول مرة. ومثل أي فتاة تمر بتلك المرحلة ، مررت بتغييرات شخصية وجسدية. لم أعد تلك الطفلة الصاخبة، عالية الصوت، تحولت إلى فتاة خجولة هادئة. ذهبت إلى الأردن في ذلك الصيف وعندئذ بدأت رحلة السرطان، فوجئ جميع أقاربي بأني أصبحت شخصا آخر. أخبروني جميعًا أنني صرت رزينة، وقوية، هادئة، ومتزنة.

وبعد ليلة طويلة من أحاديث الصيف مع العائلة والأصدقاء، خلدت للنوم. لكني لم أستطع النوم طوال الليل، لأن الألم كان شديداً في ساقي اليمنى مما أيقظني وجعلني أذهب إلى غرفة والديً ليقدما لي يد المساعدة. أخبرني جميع الأطباء الذين ترددت على عيادتاتهم أنه من المحتمل أن أكون مصابة بنزلة برد أو تمزق عضلي.

وبعد وقت قصير من عودتي إلى قطر ، هاجمني  الألم مرة أخرى. وفي المدرسة ، لم يصدقني المسؤولون عندما أخبرتهم أنني مريضة وأنني في حاجة للذهاب إلى المستشفى ، لأنهم يعرفون أنني اعتدت على إثارة الشغب واختلاق المشكلات. حتى عندما نقلتني والدتي إلى المستشفى ، لم يشر الأطباء أبداً إلى أي شيء خطير ، ولم يظهر أي شيء من نتائج فحص التصوير بالرنين المغناطيسي. في أحد الأيام، ذهبت إلى عيادة العظام، فحصني الطبيب ثم حولني إلى مستشفى حمد العام، حيث مكثت بالمستشفى لمدة أسبوعين، أخذوا خزعة مرتين. بعد أن أكدت نتائج الخزعة الثانية التشخيص ، قامت طبيبة، لا أستطيع نسيان وجهها الممتلئ بالشفقة، بالاقتراب مني ، وقبلت جبهتي وطلبت التحدث إلى والدتي في الخارج.

عندما عادت أمي، كانت عينيها منتفختين وجهها أحمر بلون الدم. وعندما سألتها عن التشخيص ، أخبرتني أنها سعيدة لأنني سأخرج أخيرًا من المستشفى. لم يكن لدي أي سبب يجعلني أشك أن والدتي تكذب علي، لذلك ذهبت معها. لم تخبرني أنني مصابة بالسرطان. ولكنها قالت يوجد لديك كيس دهني. لم يستطع والداي تقبل الأمر، لذا أخذاني إلى الأردن لمقابلة الطبيب الذي عالج الملك الراحل حسين ملك الأردن.  كانا يأملان في أن يكون الأمر بمثابة كابوس سنستيقظ منه، لكن الأمر لم ينته بمجرد كونه كابوسًا. كان واقعاً. مؤلماً. أكد الطبيب في الأردن صحة التشخيص وأخبر والدي أن خطة العلاج هي نفسها تلك التي أخبرنا بها الأطباء في قطر.  ونظراً لأني ولدت وترعرعت في قطر، أعلمت والدايً أنني لا أريد البقاء بعيدًا عن منزلي وأصدقائي دون داعٍ، وهكذا عدنا إلى قطر. كانت أمي متحفظة طوال الوقت ولم تقل لي أي شيء عن الورم.  أفهم اليوم أن كل ما فعلته أمي ما هو إلا محاولة لحمايتي من الحقيقة المروعة. ولكن مثل كل الحقائق ، كان لا بد لهذه الحقيقة أن تخرج إلى العلن في نهاية الأمر.

تحدد موعد لي في مستشفى الأمل بقطر. وعندما ذهبت إلى الموعد اخافني ما قرأت داخل مبنى مستشفى الأمل “المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان ” لأنني كنت دائماً أربط “السرطان” بالموت فهما وجهان لعملة واحدة. نظرت إلى والدتي بوجه تملأه الصدمة والقلق ، وسألتها عن سبب وقوفنا أمام مركز لرعاية مرضى السرطان ، ولكنها أخبرتني بهدوء ما زال يبهرني حتى اللحظة ، أن هذا المستشفى كبيرًا جداً وبه العديد من التخصصات ولم يقتصر على الأورام. دخلت أمي ، كالعادة ، لمقابلة الطبيب بمفردها قبل دخولي لتطلب منه عدم الكشف عن أي معلومات عن تشخيصه لي. ومع ذلك ، رأى الطبيب أنه من الضروري أن أعلم ومن ثم أعلمني عن تشخيص المرض وعلاماته.  حينئذ ، لم يكن لدي أي فكرة عما تعنيه كلمة “ورم”. بقينا لأكثر من سبع ساعات في ذلك اليوم في المستشفى ، وكل ما استطعت رؤيته من حولي هو ظلام أيامي القادمة.

كانت حالتي  نادرة جدا.  كنتُ أول قاصراً في الشرق الأوسط تصاب بسرطان الحوض . كنت أيضًا أصغر مريض في مستشفى الأمل ، حيث يتم علاج الأطفال حتى سن 13 عامًا في مستشفى حمد العام ، وكان عمري 14 عامًا في ذلك الوقت. كان مسار العلاج 18 جلسة من العلاج الكيميائي لمدة تزيد عن عامين ونصف. خضعت لعملية جراحية قاسية على مدار 24 ساعة لإزالة الأنسجة المريضة من تجويف الجسم السفلي. وبعد الجراحة مكثتُ في وحدة العناية المركزة لمدة أسبوعين. عندما أزالت الممرضة الإبرة الأخيرة عني ، استعدادًا لإخراجي ، لم أكن أعرف ما المفترض أن أشعر به أو أقوله. حدقت في أمي التي كانت تنظر إلى وجهي. ابتسمنا سويا ابتسامة عريضة ، والدموع تملأ أعيننا ولم تخرج كلمة واحدة من أفواهنا. فما شعرت به هذه اللحظة تعجز الكلمات عن التعبير عنه.  عندما غادرت المستشفى وعدت إلى المنزل للمرة الأولى في ما بدا ، كنت أسعد فتاة في العالم. كنت أتأمل  المشهد خارج  النافذة بكثير من الابتهاج  وعلى الرغم من كون المنظر ما هو سوى صحراء ، إلا أنه كان عالماً جميلاً في عينيّ.

على الرغم من كل الألم الذي شعرت به طوال فترة علاجي ، كنت دائمًا مصممة على القتال. أردت أن أحارب السرطان وأفوز عليه. ولذا لم استسلم، أردت أن أعيش، لأولئك الذين آمنوا أنني سأنجح في محاربة السرطان وأكثر من ذلك لأولئك الذين اعتقدوا أنني لن أستطيع. أردتُ أن أظهر للجميع أنني أقوى من السرطان، وأن السرطان ليس مرادف آخر للموت. كانت عائلتي هي سندي وداعمتي طوال فترة المحنة، وقفوا جميعاً معي طوال الطريق. أرادت والدتي وأحد أخواتي حلاقة شعرهن ليجعلنني أشعر بتحسن، لكنني لم أسمح لهما بذلك، بالطبع. ومع ذلك ، لم يظن كثير من الناس أنني سأنجح؛ كانوا يعتقدون أنها معركة خاسرة. لقد استسلم كثير من الأشخاص الذين أحببتهم ولم يسألوا أبدًا عن كيفية قيامي بذلك، لأنهم كانوا يعرفون أن الإجابة ستكون مؤلمة أو مأساوية. جعلني هذا أكثر عنادًا وعزمًا على القتال والانتصار، في اليوم الذي غادرت فيه المستشفى متعافية من السرطان، أعلنت لأمي أنني عازمة على أن أكون شخصًا جديدًا وأعيش حياة جديدة. أتذكر أنه كان من المتوقع أن أستعيد قدرتي على المشي بعد عام واحد ، لكنني استغرقت ستة أشهر فقط للمشي مرة أخرى. نما شعري من جديد اتبعت نمط حياة جديد وصحي. التقيت بأشخاص جُدد وأصبحت شخصية اجتماعية، أكثر انفتاحاً على العالم لقد كانت رحلتي مع  السرطان مؤلمة لكنها ثاقبة. قطعت شوطًا طويلًا وتعلمت الكثير من الدروس. أشعر بالامتنان والتقدير لكل ما حدث لي. أنا شخصية مرنة أدرس الآن بالسنة الأولى  في الجامعة ، أبلغ من العمر 20 عامًا. متفائلة  بما يخبئه لي المستقبل. أيا كان ما يأتي في طريقي ، أعتقد أن لدي القوة والقدرة على التحمل لمواجهته والتغلب عليه لأن السرطان جعلني أقوى.

 إذا أردت تسمية ثلاث أسلحة ساعدتني طوال فترة العلاج ستكون كالتالي: الإصرار والصبر والقوة. وإذا كان بإمكاني تقديم نصيحة واحدة لكل مريض بالسرطان، فستكون عدم التخلي عن هذه الميزات الثلاث، عدم التخلي عنها أبدًا لأنه من المؤكد أن المعركة ضد السرطان ليست سهلة. إنها صعبة ومع ذلك، يحتاج المحاربون الشجعان إلى إعطاء أنفسهم سببًا للعيش من أجله ويحتاجون إلى التمسك بالأشياء التي تساعدهم على تحملها. أريد أيضًا أن أذكّر جميع مرضى السرطان في العالم بأنهم أقوى الأشخاص الذين أعرفهم… إنهم أبطال! أعلم أن السرطان مجرد عدو يمكن أن نحاربه إذا تركنا الخوف جانباً وواجهناه بقوة وأمل. لقد تغلبت على السرطان ، وهكذا يمكنك أنتَ وأنتِ وأنتم وأنتن .دعونا لا ندع هذا الوحش  يأخذنا من أنفسنا ومن أحبائنا. دعونا جميعًا نحارب السرطان ، ودعونا جميعًا نكسب المعركة “بتصميم وصبر وقوة”.

Read more...

سامي ,متعافي من السرطان : تغيرت نظرتي للحياة وأصبح للوقت قيمة أكبر

سأروي لكم حكايتي مع هذا المرض، ومنحي فرصة جديده للحياة والبقاء بعد تجربة مريرة بكل ما فيها وصعاب، لعل حكايتي تكون نقطة تحول لمريض فقد القوة والإرادة وأنهكه المرض والعلاج، وأكون سبباً في إعطاءه الأمل في الشفاء.

أنا اسمي سامي من الأردن ، انتقلت الى الدوحة في عام 2016 ومعي الأمل والخطط للبدء بمشروعي الخاص وتحسين الظروف المادية والاجتماعية لأولادي وعائلتي، حيث كنت الأب الحنون والمسؤول عن سعادة عائلتي، وكنت رياضي لا أدخن ومهتماً بصحتي.

   بعد فترة من وصولي إلى الدوحة بدأت أشعر بتغير في نظر عيني اليمنى ورغم أن الفحوصات الخارجية للعين لم توضح السبب في ذلك! إلا أنه تم أجراء أشعة أم أر أي للدماغ.

وهنا كانت الصدمة الأولى حين تبين أن السبب المؤثر على نظري هو وجود بعض الأورام في الدماغ ثم أكتشف لاحقاً انتشاره في أعضاء مختلفة من جسمي وهي الكبد والغدة الكظرية والرئة والعمود الفقري وبدأ الكابوس المرعب .

لحظتها لم تعد قدماي تقوى على حملي، لم أتوقع يومًا أنى سأبدأ بحساب عدد أيامي المتبقية في الدنيا ولم أتخيل نفسي يومًا طريح الفراش في انتظار الموت.

أخدتني الأفكار بعيداً عن كل شيء في حياتي ، أهلي وأولادي وعملي  ، فأنا بالدوحة  بمفردي ، هل أستسلم للمرض وللموت بهذه البساطة ؟ هل أفتح الباب بكل سهولة لذلك اللعين لينهش في جسمي وقدرتي على الحياة ؟ .

لم ارى أمامي في تلك الأيام إلا الموت والذي لم يغب عن فكري ، فأتعبني جداً هذا الشعور ، حتى استوقفت نفسي وقلت ، لماذا التفكير بالموت وأنا لا ازال على قيد الحياة!  لذلك قررت أن أقاوم وأعيش وأتعايش معه وأبعد كل التفكير أو مجرد التفكير بأن حياتي قاربت على الانتهاء وسأحتفظ بهذه المأساة بداخلي ، سأخفيها عن أهلي فلا أريد أن أحملهم فوق طاقتهم أو أشعرهم  بأي ألم أو حزن لمعرفتهم بمرضي ، لذلك قررت أن أدعهم لحياتهم ودراستهم . وحتى زوجتي فلديها أعبائها ومسؤولياتها مع الأولاد ورعايتهم .

وبدأت رحلة العلاج الإشعاعي ثم الكيماوي وما أدراكم ما الكيماوي وأثاره السلبية على جسمي ونفسيتي , هذيان ، ضعف ، ألتهاب ، إسهال ، اكتئاب وغيره من كل الأثار الجانبية الشديدة .

وبدأ التغير يظهر على وجهي وجسمي من الكورتيزون والإشعاع وبدأت الأسئلة تتزايد على وجوه المحطين بي في عملي وبدأ يقل مجهودي وقدرتي على العمل وبدأ الجميع يعرضون مساعدتهم، لكن قراري عدم أخبار أحد ، لن أتراجع عن قراري ، ورفضت كل المساعدات ولم أتوقف عن العمل برغم ما كنت أعانيه من إرهاق  وألم وتحملت بكل حب وقناعة بالمكتوب وأن أرادة الله فوق كل شيء .

استمريت مع العلاج بالكيماوي فترة من الزمن وكانت تحلو لي فترة بقائي  في المستشفى رغم ما كنت أعانيه ورغم كل ما أرى من معاناة باقي المرضى حولي ولكنى كنت أجعلها فرصة لخلق جو من الاستمتاع والهدوء فكنت أجلس في حديقة المستشفى في الهواء الطلق وأتبادل أطراف الحديث مع الممرضين وباقي المرضى وكنت أحمد الله أن المركز كان خالٍ من أي أطفال مرضى لأنى لا أتحمل رؤية طفل مريض فما بالك لوكان مريض بالسرطان ؟ وأنا أعرف كم المعاناة صعبة.

استمريت في العلاج بصبر وجهد وكنت أقاوم وأقاوم ، وبدأت في الانتصار وبدأ يتراجع المرض بفضل الله وبدأت التحاليل تظهر نتيجة إيجابية بعد مرحلة العلاج الكيماوي ، وبعدها بدأت مرحلة العلاج المناعي وبدأ الخير يظهر والأمل يتحقق وتدب الحياة والقوة مرة أخرى في جسدي المتعب  الذى أنهكه العلاج ، نعم أنهكه لكنه لم ينتصر عليه وبدأ التفاؤل .

كل هذا تم دون أن أخبر أحداً من أفراد عائلتي ،تحملت بنفسي  القدر الكبير من التعب الجسدي والنفسي.

وخلال تلك الفترة بدأت تنفذ مني كل الأعذار بعدم سفري لبلدي وأهلي  ، كما كان في السابق خاصة في الأعياد والمناسبات وبدأت زوجتي تشعر أن زوجها في حالة من التغير فاضطررت ان اصارحها بحالتي وبكل ما حصل ، لم تتوقع أن أكون أنا والموت على مسافة قريبة .

طلبت منى زوجتي أن أعود فوراً ولكني رفضت وطلبت منى أن تترك هي كل شيء وتأتى لي فرفضت وأقنعتها بضرورة وأهمية بقاءنا على نفس الوضع واستمراري بالعلاج وتستمر هي برعاية الأولاد واستمرار الحياة ، بقي الحال في التطور إلى الأفضل بفضل الله ثم المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان

ونصيحتي هنا لكل من يصيبه هذا المرض بالالتزام بالعلاج ولا يفقد الأمل ولا يلتفت إلى النصائح الأخرى التي يعتقد الأخرون أنها تشفى من السرطان .

وبعد تحقيق نتيجة جيده جدًا بالعلاج المناعي قل تواجدي في المركز، وتماثلت للشفاء بصورة كبيرة وبعد مده بسيطة سافرت لزيارة أهلي وأخبرت الجميع خاصة أمي ، ولكنى طمأنتها بأني أتعالج وفي ايدي أمينة وبأنه أفضل كثيرًا من أن أكون في أي مكان أو بلد أخر.

في هذا الوقت قررت وضع نقطة نهاية هذا السطر من حياتي وأبدأ من جديد سطر وصفحة أخرى مشرقة ، خرجت من تلك التجربة إنسان جديد ولدت من جديد بعد شفائي وتجددت نظرتي للحياة، فأصبح للوقت والأيام  قيمة أكبر ،وأن العزيمة والإرادة والرغبة في الحياة والثقة في الله هي السبيل الى الشفاء وألا نفكر بالموت طالما نحن على قيد الحياة. وبالنهاية، الرياضة والنوم الكافي والأكل الصحي هي طريقنا جميعاً لحياة صحية.

Read more...

مروة عادل – ناجية من سرطان الثدي: تغيرت للأفضل ولم أسمح لنفسي بالحزن

“كنت أقوى من السرطان ” , هذه  كانت أولى كلمات السيدة مروة عادل التي عبرت بها عن رحلتها مع  سرطان الثدي  .

 عندما أردنا التعرف عليها وجدنا أنها سيدة شجاعة تبلغ من العمر 39 عاماً ، استطاعت أن تهزم سرطان الثدي بعد معركة استمرت لمدة عامين.

جاءت بطلة القصة إلى قطر في عام 2006، بعد زواجها في عمر الخامسة والعشرين. تتوج زواجها بإنجاب ثلاثة أطفال، وفي شهر إبريل لسنة 2014، بينما كانت منخرطة في الانتقال من منزل إلى آخر، وبعد يوم عمل مرهق أرادت الاسترخاء، وإذ بها تفحص ثديها ذاتياً، فتجد كتلة تشبه الكرة في الثدي الأيمن.  وعلى الفور تناقشت في هذا الأمر مع زوجها الذي أوصاها بالذهاب إلى المركز الصحي للفحص والاطمئنان.

وهناك، أكد لها الطبيب أن كل شيء يبدو جيداً وأعطاها موعد أشعة في مستشفى حمد العام. ونظرا لقلقها ذهبت إلى مستشفى خاص لإجراء الفحوصات المطلوبة. وفي نفس اليوم، قامت بإجراء اختبارات معملية وتحليلية بالإضافة إلى تصوير الثدي بالأشعة، مع طلب بالعودة لمعرفة النتائج بعد يومين. وبعد يومين، أخبرها الأطباء أن التصوير الإشعاعي للثدي أظهر “شيئاً مبهما”، وحتمية أخذ خزعة من هذه الكتلة.

لم تنزعج السيدة مطلقاً من الخزعة. تقول: “لم أكن متألمة، ولم يكن هناك أية أعراض. ولكن بدأت تشعر بالألم في موقع الخزعة بعدها. وفجأة ” صار الألم لا يطاق، وكان عليّ أن أنتظر أسبوعاً واحداً لمعرفة نتائج الخزعة”.

” تقول مروة عادل، قبل ثلاثة أيام من موعد المتابعة، اتصل بي الطبيب للحضور والتحدث معه. أدركت حينها أن النتائج قد ظهرت ولا بد أن الأمر خطير”. ذهبت إلى الطبيب في صحبة زوجها.  لم تكن تعرف ما أسفرت عنه التحاليل والنتائج ولم تكن تتوقع ما الذي سيقوله الطبيب ولكنها كانت لا تريد سماعه. وفي النهاية نطق الطبيب قائلاً: “إنه سرطان”.

كان رد فعلها الفوري عند تلك النقطة هو ما طبيعة السرطان: “ماذا يعني هذا؟ هل الورم حميد أم خبيث؟”. أجاب الطبيب بأنه “خبيث”. توقفت عن إبداء أي رد فعل بعد ذلك، ولم تسيطر على مشاعرها المتدفقة. قبض زوجها علي يديها بإحكام على نحو لم تكن لتنساه، في محاولة لتهدئتها وإعادة السكينة إلى قلبها.  سأل زوجها الطبيب ما الخطوة التالية؟ أجاب: هناك حاجة إلى اخذ خزع للتحليل المخبريّ وتحديد حجم الورم. وقد تم ذلك في نفس اليوم.

حجز لها الطبيب موعد لإجراء الجراحة في الأسبوع التالي. وخلال الأيام التي سبقت الجراحة، بدأت رويدًا رويدًا تتقبل التشخيص وما جلبه من صدمة تقول “انطلق لساني بالحمد والاستغفار طوال الوقت وقلت “تقبلت مصيري يا رب…تقبلته” وكنت أقضي المزيد من الوقت مع أطفالي وهم يلعبون معي ويقبلونني، وكأنني لن أراهم مرة أخرى بعد الجراحة”.

أثناء الجراحة أزال الأطباء هذه الكتلة القاسية: وعرفت أن حجمها كان: 3سم وبها حوالي 14 عقدة لمفاوية إبطيه. كما أجريت جراحة إعادة بناء للثدي، وخرجت في اليوم التالي. أخبرني الأطباء أنني سأحتاج إلى علاج كيميائي. وبما أن تكاليف العلاج الكيميائي كبيرة في المستشفيات الخاصة، فقد أحالني الأطباء إلى المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان  لمواصلة العلاج.. وبحلول ذلك الوقت، توصلت إلى قبول كامل للتشخيص وغرست في عقلي الباطن أنه مثل أي مرض، وأن الجميع معرضين للخطر، حيث قد يصابون بهذا المرض وبعون الله يشفون منه”.

بدأت العلاج الكيماوي بالمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان. وحضرت 6 جلسات مكونين من نوعين مختلفين من العلاج. وقبل البدء بالعلاج الكيميائي، أبلغني الطبيب أنني سأفقد شعري، وكانت إجابتي الفورية لا بأس، فأنا لا أهتم بشعري”. قبل مباشرة أول جلسة قررت قص شعري، وحتى هذا اليوم أحتفظ بشعري معي. في الليلة الأولى بعد أول جلسة علاج كيميائي لي، كنت ألعب بشعري القصير ولاحظت أنه يتساقط فقررت حلاقة رأسي بالكامل. وكنت أقول: “سوف يعود شعري إلى النمو بل وسيكون أفضل من ذي قبل. لم أشعر بالحزن إزاء هذا”.

أنهيت آخر جلسة علاج كيميائي في ديسمبر من نفس العام. وبعد ذلك اكتشفت وجود ورم جديد في نفس مكان الورم القديم. فتمت إحالتي إلى طبيب جراح في مستشفى حمد العام. وبعد مراجعة السجلات، أخبرني الجراح أن يحتاج إلى إزالة الثدي بالكامل، وزراعة آخر. ثم بدأت العمل في ذلك الاتجاه. وبعد الجراحة الثانية، أخبرني الطبيب أنه نظراً للطبيعة العدوانية للورم، فإن الثدي الآخر غير المصاب يحتاج إلى الإزالة الوقائية. فأجريت جراحة ثالثة، ثم تقرر إجراء جراحة رابعة لزراعة ثدي. وبعد ذلك بدأت جلسات العلاج الإشعاعي.

تكون العلاج الإشعاعي، من 36 جلسة. ولذلك كنت أخضع يوميًا إلى جلسة علاج إشعاعي باستثناء عطلة نهاية الأسبوع.  وبعد جلسة العلاج الإشعاعي الثانية أو الثالثة، بدأ الثدي الصناعي الجديد في الالتهاب، مع خروج الكثير من القيح. فذهبت إلى قسم الطوارئ، حيث أخبروني أنني قد أكون مصابة بعدوى من داخل المستشفى، ولذلك أمضيت داخل الحجر الطبي 10 أيام. وخلال هذه الأيام العشرة، استمرت سيارة الإسعاف في نقلي من الحجر الصحي إلى المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان- لتلقي العلاج الإشعاعي. وبعد عشرة أيام من الحجر الصحي، انتقلت إلى المدينة الطبية، واستمررت في تلقي العلاج لمدة شهر ونصف.

وبما أن الثدي الصناعي الجديد أصيب بالعدوى، فأوصى الطبيب بتغييره إلى أخر من السيليكون. ولكن حتى بعد تغيير الثدي الجديد، أصبت بالعدوى مرة أخرى. ولكن حالة الإصابة الثانية كانت أكثر حدة، ولذلك بقيت في المستشفى لمدة شهر. أخبرتني الدكتورة أن جسمي لا يتقبل قطع الغيار الصناعية ولذا لا بد من إزالة الثدي الجديد. ثم خضعت لعملية جراحية أخرى لإزالة الثدي السليكون، ولم يتم وضع أي شيء آخر. استمرت هذه الحالة حتى نهاية عام 2016، وأصبحت على خير ما يرام منذ ذلك الوقت.

خلال فترة المصاعب، يكون الحصول على الدعم من الأشخاص المقربين أمراً بالغ الأهمية، وفي بعض الحالات، قد يكون المريض هو الذي يقدم الدعم للأشخاص القريبين منه. ومن حسن حظي أنني تلقيت دعم والديّ كما قمت أنا بدعمهما.  فقبل أن تبدأ جلسات العلاج الكيميائي، عملت على استقدام والديً لزيارة قطر. ولم يكن لديهما أي علم بنتيجة التشخيص في ذلك الوقت. ولكن قبل البدء بالعلاج الكيميائي مباشرة، أبلغت أمي. وكانت مصدومة للغاية، لعدم إصابة أي من أفراد الأسرة بهذا المرض فضلاً عن إصابتي به في سن صغيرة. وكنت أنا من يخفف من مخاوف أمي ويحد من قلقها. وعلى نفس النحو، حضرت أمي معي أول جلسة علاج كيميائي لتدعمني. ولقد صُدِمت والدتي بقوة شخصيتي وصبري وإصراري على التحمل. فكانت تسأل “من أين حصلت على هذه القوة؟”.

كما كان لزوجي فضلًا في دعمي ورفع روحي المعنوية. لقد دعمني طوال فترة مرضي وكنا قريبين لبعض جدًا. وأظهر لي قدراً كبيراً من الحب، وأنا مدينة له بكل ما وصلت إليه”. بعد جلسات العلاج الكيميائي، كنت أشعر في بعض الأحيان بالإرهاق والألم. فكنت أري زوجي يبكي منفرداً بعيدا في الزاوية، رغم أنه يتصرف بخشونة أمامي. فكنت أروي له بعض النكات حتى يتحسن مزاجه وأظهر إني قوية. يقول زوجها عن هذه الأوقات: ” كنتي أنت من تدعمينا وتخففي عنا، ولسنا نحن” أصبحت علاقتنا الجديدة أفضل ولذلك أصبح من الصعب عليً أن أتصرف بصورة تضايقه أو تؤذيه.

بعد انتهاء كل هذه الرحلة، فتحت صفحة جديدة في حياتي. وتغيرت كثيراً وأصبحت شخصاً مختلفاً. لم أكن من قبل حريصة على العمل أو الحصول على وظيفة ولكني الآن أعمل. كنت أقضي معظم وقتي في المنزل، ولكني الآن أصبحت أكثر تفتحاً وصرت اصطحب أولادي لكثير من الأنشطة الجماعية لم تنهز ثقتي ويقيني بالله؛ وأصبحت إليه أقرب. “لقد غيرت أسلوب حياتي إلى الأفضل. لا ينبغي لأي شيء في الحياة تدمير حياتي. حتى لو حدث ما هو محزن، لا بد وأن يبدله الله إلى الأحسن والأسعد. لن أسمح لنفسي بالحزن.

Read more...

والد فراس : علاج الجمعية للأطفال المرضى ساعد الآباء في دعم أبنائهم

قصة فراس ليست قصة طفل عادي. فهي قصة أسرة تحلت بالصبر واللين والمرونة في مواجهة مرض فلذة كبدها بسرطان الدم.، تشرح هذه القصة كيف واجه كلٍ من الأم والأب والأخ إصابة ابنهم وكيف تغلبوا سويا عما وصفوه بأنه اختبارٌ من الله.

 فراس: طفلٌ خجولٌ يبلغ من العمر ثمانية أعوام. يذهب إلى المدرسة؛ في الصف الثاني ومادته المفضلة هي الرياضيات. يريد أن يصبح عالم فضاء في المستقبل. يحب اللعب مع أخوه ويتولى دور حارس المرمى في فريق كرة القدم. ، تقول أمه إن روحه دائما لطيفة ومحبوبة وكانت متحمسة جدا عند اللعب مع أخوه الأكبر.

القصة بدأت عندما كان فراس يعاني من ارتفاع درجة الحرارة كل عدة أسابيع ،  لترجع إلى معدلها الطبيعي من تلقاء نفسها. وفي يوم الجمعة الموافق 26 فبراير 2016 (يتذكر والده أشرف التاريخ بالضبط)؛ أخذوا فراس إلى مركز طوارئ الأطفال، لأنه أصيب بتصلب في العنق بسبب الحمى. تم سحب الدم من فراس لعمل تحليل دم في نفس الليلة. لاحقا قام الطبيب بشرح أن صورة الدم أظهرت خللًا مزعجًا في عدد خلايا الدم البيضاء، وهو خط الدفاع الرئيسي للجسم ضد العدوى وأن سرطان الدم واحدا من الاحتمالات، تم نقل فراس إلى مستشفى حمد العام – قسم أمراض الدم. ، لاحظت  السيدة / ثريا ” والدة فراس ” , وجود أطفال لديهم حقن معلقة في الوريد، وآخرون تساقط شعرهم، وحينها غمر الحزن قلبها. ففي يوم واحد أنقلب العالم من حولها رأسا على عقب.

في بداية أكتوبر لعام 2016، كان فراس يتردد على المستشفى بين دخولٍ وخروجٍ، عانى فراس من آثار الكيماوي الجانبية وأصابته عدوى تتطلب 4 جرعات للشفاء. تطلبت أخر جرعات له من الكيماوي أن يظل بالفراش لمدة 36 ساعة متواصلة. والآن وبعد مرور 4 سنوات، ما زال فراس يتذكر تفاصيل بسيطة. مثل أنه تعرف على فتاة في مثل عمره مصابة بسرطان الدم أيضا وأصبحا صديقين. يتذكر أيضا اللعبة التي اشتراها له أخوه، وألم حقنة الوريد وقضاء معظم الوقت في سرير المستشفى. ولكن وبينما يتذكر كل هذه الذكريات المؤلمة يقول الأب: ما زال أبني مبتهجا، تسعد القلوب لرؤياه. بينما تنتحب الأم وهي تحكي القصة، يهمس لها فراس قائلاً: لا تجعلي الحزن يدمرك؛ كوني صبورة.

 يتذكر فراس وأسرته الأوقات الجيدة خلال رحلتهم، فيتذكرون طبيبة بعينها تسمى د. سلوى شرحت لهم حالة ابنها بطريقة رقيقة وعطوفة جدا. جلست بجانب فراس في غرفة المستشفى أثناء خضوعه لمسار العلاج القادم، والذي يتضمن أشهرًا من العلاج الكيميائي، والعديد من البزل القطني والأشعة والعمليات الجراحية لوضع خط مركزي. استمعت لأسئلتهم. واستمعت لفراس؛ وبعد أن استمعت العائلة لما يتوافد إليها من معلومات، شعرت بالارتياح. ، يشرح  السيد / أشرف ” والد الطفل ”   موقفها قائلا: “لقد كانت إنسانة قبل أن تكون طبيبة، واتضح ذلك في تصرفاتها”.

 ويتذكر الأب  السرعة التي حصلوا فيها على التشخيص وطريقة العلاج لابنهم في قطر وهم ممتنين جدا لذلك. ففي أي مكان آخر في العالم كان الحصول على سرير بالمستشفى وبدء العلاج أمراً يستغرق أسابيع إن لم يكن أشهر.

 كما أنهم يتذكرون الأخصائي الاجتماعي الذي ساعدهم بتخفيف الأعباء المالية للتشخيص. اعتقد أشرف وفق ما أخبره به زميله أن تكلفة التشخيص ستكلفه آلاف الريالات. فالأعباء المالية تشكل ضغطا إضافيا، ولكن بعد أن أوصلهم الأخصائي الاجتماعي بالجمعية القطرية للسرطان، تلاشت أعبائهم. يشرح أشرف الوضع قائلا: الجمعية القطرية للسرطان تتحمل 75% من الضغوط المالية” وبهذه الطريقة يمكننا التركيز حقا على مساعدة ابننا على التحسن بدلاً من توفير متطلبات اللوجستيات اليومية. ونحن من هذا المنبر نقدم الشكر للجمعية القطرية للسرطان على الإسهامات التي تقدمها.

 ويتذكرون الأشخاص الذين وقفوا بجانبهم – من زملاء وجيران وأفراد بالعائلة والذين بذلوا قصارى جهدهم للمساعدة في رعاية فراس وشقيقه تميم. فهم يتبادلون المناوبة مع الأم عندما يتحتم عليها الذهاب إلى العمل، ويطبخون لتميم عندما يكون بمفرده في البيت ويتناوبون على زيارة فراس بالمستشفى. ساعدونا على قضاء عيدين كان من المفترض أن يكونا من أسوأ الأعياد، ولكن بوجودهم كانا من اسعدهما ،  حيث تزامن العيدان مع العلاج الكيماوي لفراس وبوجودهم خف عنا ألم الكيماوي. فبزيارة الأصدقاء الذين يأتون بالطعام ويقدمون الروح المعنوية العالية، استطعنا تجاوز هذه الأيام العصيبة.

Read more...