سالفا: تجربتي مع المرض علمتني الاستثمار في صحتي

Artboard 3@2x-8

سالفا، واحدة من النساء اللواتي حاربن سرطان الثدي، تروي رحلتها معه، لتكون قصّتها ملهمة لكل النساءـ ناصحة إياهن بالخضوع للفحص لاكتشافه مبكرا وللقضاء عليه في مراحله الأولى.

تروي سالفا رحلتها مع سرطان الثدي، التي بدأت في مايو 2016، قائلة “بينما كنت أقوم بفحص روتيني للثدي كعادتي، شعرت بشيء مختلف، شيء من شأنه أن يغير مجرى حياتي، شيء أقلقني، بل أرعبني خشية أن يكون هو ما تخشاه كل امرأة، سرطان الثدي. دفعني القلق إلى الانطلاق سريعاً إلى مستشفى حمد للتأكد من هذا. ولكن كانت الصدمة التي توقف عندها الزمن، وضاقت علي الأرض بما رحبت، شعرت بفراغ تام في كل شيء من حولي من هول الصدمة، عندما أخبرني الطبيب أنني مصابة بالسرطان في المرحلة (ب-2)، انهرت في البكاء حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي. لم أكن أتخيل أن أصل إلى هذه المرحلة، كان أمراً مهولاً يفوق الوصف. ولكن كان شراً لابد من مواجهته، فبعد أن هدَّأوا من روعي، أبلغوني أنني بحاجة للخضوع لعملية جراحية، تعزز فرصتي في البقاء على قيد الحياة والنجاة بنسبة 80 – 90%. في هذه اللحظة مر شريط حياتي أمامي، ترى ماذا أكلت أو ماذا فعلت لأصاب بالسرطان، في خضم هذا التفكير، سمعت صوت المنسق في مستشفى حمد يخبرني أن أتحلى بالإيجابية لما لها من تأثير مباشر على جسدي.

كان العلاج الكيماوي هو أسوأ ما في هذه الرحلة، لم تكن الجراحة سوى بداية فقط، ولكن العلاج الكيماوي كان فظيعاً. ولجهلي بالمرض ومعرفتي السطحية بالسرطان إلا من خلال الدراما، عجزت من التعامل مع الأثار الجانبية للعلاج الكيماوي. 

مررت خلال جلسات العلاج الكيميائي الاثنتي عشرة على مدار ستة إلى سبعة أشهر بحالة من اليأس بعدما ظننت أنني لن أخرج من هذه الغرفة مرة أخرى على قدمي، وكان لحساسيتي المفرطة للعلاج الكيماوي المؤلم مقارنة بالعلاج الإشعاعي خلال أول جلسة أثر كبير على نفسيتي، حيث يمكنك أن تشعري بذرات العلاج تتسلل إلى كل جزء من جسدك، شعور بالغثيان لا ينقطع ، ورغم تناولي مضاد للغثيان، إلا أنني فقدت شهيتي للطعام، وأتذكر أنني لم أكن أستطيع تناول سوى الأرز مع الموز، كان للطعام مذاق معدني في فمي، فلا أستطيع الاستمتاع بتناول الأطعمة التي أفضلها بسبب هذا المذاق الغريب، ما يجعل من الصعب حتى شرب الماء. كما أنه بعد بضع جلسات من العلاج الكيماوي، شعرت بيدي وقدمي مخدرتين، وأصبحت بشرتي شاحبة للغاية وعديمة اللون، وكانت أظافري سوداء.

كأي أنثى تعشق شعرها، فقد بدأ شعري يتساقط بعد أول أسبوع من بدء العلاج الكيماوي، ورغم علمي أن هذا سيحدث، إلا أنني كنت مصدومة من ذلك. لم أكن أعلم ما يجب علي فعله، إلا أن جميع من في المستشفى شدوا من أزري وربتوا على كتفي حتى يكون همي الأول هو الشفاء من هذا المرض، أرشدوني كيف أتعامل مع الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي كتدليك الجسم عند شعوري بالخدر، كما أوصوني بأن أحلق شعر رأسي من تلقاء نفسي حتى لا أصدم من تساقطه بسبب العلاج فيتملكني اليأس، وأن أستخدم غطاء الرأس فما هي إلا حالة مؤقتة بعدها سينمو مرة أخرى، كما أهداني أحد أصدقائي شعراً مستعارا، ارتديته في عدة مناسبات خاصة. 

كان اليأس يتسلل لي طوال أشهر العلاج الكيماوي، استطعت تقبل الأمر خلال الأشهر الثلاثة الأولى، ولكن بمجرد أن بدأوا بإعطائي حقن لتعزيز المناعة، تهاوى الوضع سريعاً. كانت هذه الحقن مؤلمة للغاية لدرجة كنت أشعر بالألم في عظامي ولم أتمكن من المشي بشكل سليم بسبب هذا الألم. في المرة الأولى التي تلقيت فيها الحقنة، لم أستطع النوم لمدة يومين ولم أنقطع عن البكاء بسبب هذا الألم المبرح. ولتخفيف حدة الألم عليّ أعطوني المورفين. شعرت أنني لن أنجو من هذا وأنني شارفت على الرحيل. أرى ماذا فعلت في حق نفسي أو في حق من أخطأت حتى أصاب بهذا المرض، كنت مشتتة وضائعة، كان البكاء هو سلوتي الوحيدة. ولكن من داخلي كنت أكافح هذا اليأس كما أكافح المرض كي استمر في العلاج الكيماوي لأصل إلى بر الأمان. عزز هذا الشعور الإيجابي لدي دعم إدارة عملي الذين منحوني إجازة لمدة ثلاثة أشهر حتى أتجاوز مرحلة الألم. لم أنقطع يوماً على الصلاة والدعاء والتفكير في عائلتي التي منحتني الدعم الذي أحتاجه طوال هذه الفترة الصعبة. 

حتى سبتمبر 2017، لم تكن عائلتي التي تعيش في الفلبين تعلم بحقيقة مرضي، لم أكن راغبة في أن أقلقهم، وأن يكون قلقهم هذا مصدر ضغط إضافي عليّ وهم بعيدون. ومع ذلك، بعد أن أنهيت جميع جلسات العلاج الكيماوي والإشعاعي، تمكنت أخيرًا من استجماع قواي لأخبر والدتي بشأن السرطان. عندما اتصلت بها لإخبارها قالت: “أعلم بالفعل، لقد شعرت أن ثمة أمر ما أصابك”، بينما كنت مستغرقةٌ في البكاء. أعتقد أنها كانت تشعر بهذا، فلم أكن أتصل بها بالفيديو كعادتي أثناء خضوعي للعلاج الكيماوي. أتذكر بمجرد تشغيل كاميرا الفيديو عن غير قصد ورأتني أمي بغطاء الرأس؛ ارتعبت للغاية واعتقدت أنني تعرضت لحادث أو ما شابه. شعرت بالذنب حيال عدم إخبار أمي بالحقيقة، كلما هممت أن أخبرها الحقيقة، كان يتملكني الخوف عليها وعلى حالتها النفسية، كان هذا ما يمنعني من إخبارها الحقيقة. 

أؤمن حقًا بـ “غريزة الأمومة” لأن والدتي كانت ترسل لي رسالة دائمًا أثناء جلسات العلاج الكيماوي لتطمئن على حالي وما إذا كان كل شيء على ما يرام، وكأنها كانت تعلم. بعد أن أخبرت والدتي، أخبرت أخي الذي انهار في البكاء مما كسر قلبي عليه، ولكنه ظل يذكرني كم أنا محظوظة لأنني كنت في قطر عند إصابتي بالسرطان حيث العلاج مجاني بالكامل مع وجود الرعاية الطبية اللازمة، على عكس الفلبين حيث العلاج مكلف للغاية. إنه لأمر مدهش أن علاج السرطان مجاني في قطر، وهذا أمر لا يصدق لمرضى السرطان لأنه يزيل العبء على مريض السرطان الذي يكون مرهق نفسياً وجسدياً من المرض وبشكل كاف.

على الرغم من صعوبة إخبار أسرتي، إلا أنني شعرت بالارتياح الشديد وتخلصت من الشعور بالذنب لأنني أخفيت عنهم حقيقة مرضي وتمكنت من التحدث إليهم علنًا بشأنه حيث كان الحصول على دعمهم أمراً رائعاً. فمجرد إرسال رسالة إلى عائلتي يرفع هذا من معنوياتي. إلا أنني لا أشعر بتأنيب الضمير لإخفاء حقيقة مرضي عنهم في مراحله الأولى كونهم بعيدون عني. 

رغم قسوة الرحلة، إلا أن مساندة الأصدقاء والدعم الذي تلقيته كان له الأثر الإيجابي عليّ، من خلال نصائح بعض من قابلت من المرضى والناجين من السرطان في المستشفى، فضلاً عما أسداه لي الأطباء من النصح. فهؤلاء المرضى والناجين كانوا هم من رفعوا من معنوياتي طوال العملية برمتها يقولون لي باستمرار “سوف تنجين من هذا” و “يمكنك التغلب على هذا”. كما أشعر بالامتنان الكبير لأخصائي التغذية في المستشفى الذين علموني ما يجب أن أتناوله. كانت لتجربتي مع السرطان الأثر الأكبر في تغيير وجهة نظري بشأن ما أتناوله، فقد اعتدت على تناول الطعام بالمواد الحافظة والوجبات السريعة لزهادة سعرها أكثر من تناول الطعام الصحي، لكن أخصائي التغذية أخبرني “عليك الاستثمار في صحتك”، تعلمت مدى أهمية تناول الفواكه والخضروات وشرب العصائر الطازجة؛ هذا النظام الغذائي هو ما ساعدني على أن أصبح أكثر صحة طوال فترة العلاج حتى الآن.

كانت الجمعية القطرية للسرطان داعماً رئيسيًا لي طوال رحلتي. كانت أول معرفتي بالجمعية هي عندما رأيتهم يقيمون فعالية الشهر للتوعية بالسرطان في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية وطُلب مني إجراء مقابلة معهم. كنت سعيدة جداً بتواصلي معهم، لديهم ورش تعليمية ممتعة للغاية؛ ففي إحدى ورش العمل المفضلة لدي، قاموا بمشاركة وصفات صحية ولذيذة ما زلت أستخدمها. التقيت بأشخاص جدد ودعوت أيضًا أصدقائي في المستشفى للحضور إلى ورش العمل هذه معي. كان من المفيد للغاية مناقشة وتبادل القصص والتعلم من تجارب الأخرين. أشعر أنني محظوظة للغاية لأنني تمكنت من مقابلة بعض الناجين من مرض السرطان الذين قدموا لي الدعم المعنوي بشكل مستمر وهم دائماً موجودون معي. 

في حفل العيد الذي أقامته الجمعية القطرية للسرطان، أُهديت كتاب “قصة أمل”، من خلال قراءته، أدهشني كم القصص الملهمة للناجين الآخرين من السرطان والتعرّف على تجاربهم ومصاعبهم. كانوا قادرون على مكافحة الموت والبقاء على قيد الحياة حيث يعانون أشد مما عانيت من السرطان، مما ساعد بالفعل في تعزيز ثقتي. فإذا نجوا، سأنجو أنا أيضًا.

عندما علمت بحقيقة إصابتي بالسرطان، هيمنت علي الكثير من الأفكار السلبية واستنزفت قواي لتجاوز هذا. ومع ذلك، بعد انقضاء هذه الرحلة، أعتقد أن ثمة دائمًا سببًا يدفع الناس إلى المرور بتجارب معينة، وحتى لو لم نكن دائمًا على علم بأسبابها، أعتقد أنه يجب أن نثق في الله وما قدره لنا. على الرغم من الألم، أشكر الله على الأصدقاء الذين قابلتهم في المستشفى والمهارات الحياتية التي اكتسبتها من هذه التجربة. لقد تعلمت مدى أهمية الاعتناء بنفسي وتناول طعام صحي وصحبة الصالحين. خلال فترة علاجي، كنت شاحبةً للغاية وضعيفة القوى، لكن الآن عادت نضارة بشرتي وعاد شعري إلى طبيعته. أعتقد أن ما نأكله ونشربه يمكن أن يؤثر حقًا على صحتنا الجسدية والعقلية. يؤثر الإجهاد سلباً على صحتنا، لذلك أحاول دائمًا تهدئة نفسي عندما أتعرض للتوتر. كانت لتجربتي مع السرطان أثارٌ إيجابية على حياتي من نواح كثيرة، أصبحت أكثر امتناناً لحياتي وأكثر وعياً بصحتي وتصرفاتي. أحمد الله تعالى وأشكر أسرتي وأصدقائي وموظفي مستشفى حمد والجمعية القطرية للسرطان وزملائي ورئيس عملي، السيد/ حمد والسيد/عبد الله، اللذان ساندوني طوال رحلتي. آمل أن تكون قصتي مصدر إلهام وراحة لأحدهم. فالحياة قصيرة جدًا لا نضيعها في الحزن ولا نعلم أين وكيف ستكون وجهتنا فيها، لذا أستمتع بكل ما فيها واترك أمرك لله.