روجر ويكام : من القلق إلى الأمل
وسط الألحان والأنغام التي طالما عزفها روجر ويكام على آلتي الساكسفون والناي، لم يكن يتوقع أن الحياة ستفرض عليه نغمة مختلفة ذات يوم؛ نغمة لم يختَرها، لكنها كانت المفتاح لتجربة إنسانية عميقة أعادت تشكيل نظرته للحياة، وألهمته أن يكون مصدر نور ودعم لكل من يمر بما مرّ به.
البداية… حياة هادئة
روجر ويكام، موسيقي بريطاني يبلغ من العمر خمسين عامًا، عاش جزءًا كبيرًا من حياته متنقلاً بين العواصم الأوروبية، حتى استقر به المقام في مدينة مدريد الإسبانية. لكن منذ خمس سنوات، انتقل إلى الدوحة برفقة زوجته وطفليه ليبدأوا معًا فصلًا جديدًا من حياتهم.
يقول روجر:نحن كعائلة سعداء للغاية هنا، نعمل بجد ونستمتع بحياتنا. كانت الحياة تمضي بشكل طبيعي جدًا”.
كان يمارس الرياضة بانتظام، يسبح، يركض، ولم يكن يدخن أبدًا. لم يعرف من مشكلات الصحة سوى تلك الزيادة الطفيفة في الوزن التي بدت طبيعية مع مرور الوقت.
من التهاب حلق إلى رحلة حياة
في نهاية عام 2015، شعر روجر بألم بسيط في الحلق مع تورم خفيف في الجانب الأيمن من العنق. بدا الأمر في البداية غير مقلق، حيث وصف له طبيبه العام مضادات حيوية، وطلب منه العودة إن لم تتحسن الحالة خلال أسبوع.
مرت الأيام، واختفى ألم الحلق، لكن الورم بقي كما هو. عند مراجعته مرة أخرى، لاحظ الطبيب أن استمرار التورم أمر غير معتاد. وصف روجر الطبيب بأنه “رائع”، لأنه لم يكتفِ بالعلاج المعتاد، بل قام مباشرةً بتحويله إلى قسم الأشعة لفحص شامل، مع وضع احتمال الإصابة بالسرطان في الحسبان.
خضع روجر لسلسلة طويلة من الفحوصات والتحاليل الدقيقة، بدأها بخزعة تحت التخدير العام، تلتها أشعة ومسح شامل بالتصوير المقطعي البوزيتروني (PET). ويصف تلك المرحلة بأنها ” أصعب ما مررت به… الانتظار كان مرهقًا، لأنك لا تعرف ما تواجهه، وكل السيناريوهات تبدو ممكنة. ستة أسابيع من عدم اليقين، حيث تتأرجح بين الخوف والرجاء في كل لحظة”.
رغم عدم تصريح الأطباء باستخدام كلمة “سرطان” في البداية، إلا أن القلق الذي كان يملأ قلبه لم يترك له مجالاً للراحة.
جاء التشخيص أخيرًا: سرطان في الحلق. ورغم صدمة الخبر، فإن معرفته بالأمر أنهت ذلك الغموض القاتل، وسمحت له بأن يبدأ رحلة العلاج ، استغرق الأمر يومين فقط لاستيعاب الخبر. بعدها قال لنفسه: يمكنني النجاة. هذا ليس نهاية الطريق”.
تواصل مع مرضى سابقين، استمع لقصصهم، وشعر أن هناك أملًا. رأى أمامه نماذج تعافت وتعيش حياتها بسعادة. وهكذا بدأت رحلته.
وفي فبراير 2016، خضع روجر لعملية جراحية كبرى، تبعها علاج كيميائي وإشعاعي مكثف. يتذكر تفاصيل تلك المرحلة بدقة ،ثم قضى ثلاثة أسابيع في المستشفى. ، رغم ذلك، لم يترك له المرض خيارًا سوى الصمود. “كنت أعلم أنني أخوض معركة… وكان علي أن أواجهها بكل ما أملك”.
قوة العائلة
لم يمر روجر بهذه التجربة وحده. كانت زوجته إلى جانبه دائمًا، وكذلك أطفاله وأصدقاؤه. قرر أن يكون صادقًا معهم منذ البداية ، كما يروي عن الدعم النفسي الهائل الذي تلقّاه من المحيطين به ” أخبرنا أطفالنا لأنهم كبار بما يكفي لفهم الأمر. لا يمكن أن نخفي عنهم شيئًا بهذه الخطورة. الصدق معهم كان ضرورة ، وكل محادثة مع عائلتي كانت بمثابة طوق نجاة. كنت كلما تحدثت عن حالتي، شعرت بتحسن. كلمات الحب، والاهتمام، والحنان، كانت هي العلاج الموازي لما كنت أتلقاه في المستشفى ، حتى اللحظات التي شعر فيها بالضعف، مثل انهياره أمام زوجته يوم دخوله للمستشفى، كانت تجد ما يخففها في حضن العائلة ومشاعر التعاطف المحيطة به.
رغم الصعوبات، واصل روجر الإمساك بآلته الموسيقية، إن لم يكن عزفًا فعلى الأقل تخطيطًا لأعمال جديدة. بعد تعافيه، ألّف تسجيلين موسيقيين، ويأمل أن يتمكن من إنتاج خمسة تسجيلات خلال السنوات الخمس التي تلي تعافيه، كتعبير عن امتنانه للحياة وفرصة النجاة ، قائلاً ” أريد أن أجعل هذه السنوات الخمس المقبلة، أفضل سنوات حياتي. بعد كل شيء، أنا لا أريد نسيان ما مررت به… لأنه ذكرى بأني محظوظ”.
رسالة من القلب
بعدما تجاوز المرض وقطع شوطًا في التعافي، لم يكن روجر ليصمت. أراد أن يُسمِع صوته لكل من يواجه السرطان، ليقول له:
“لست وحدك… وكل لحظة تمرّ، تقرّبك أكثر من الشفاء”.
“لا تتردد في طلب المساعدة، لا تقلل من قيمة ما تمر به. خذ الدعم، وامنحه أيضًا. وتذكر أن الحياة لا تتوقف عند المرض. نحن أقوى مما نعتقد”.
شكر وإمتنان
يعبّر روجر عن امتنانه العميق للجمعية القطرية للسرطان، التي قدّمت له الدعم في مراحل مختلفة، ويقول:
“هذه الجمعية تقوم بدورٍ إنساني عظيم. لقد رويت قصتي لهم، وأردت أن تكون منارة لكل من يسير في طريق العلاج. إن بهجة العطاء تفوق لذة الأخذ”.