ماوية ناجية من سرطان الثدي: سألهمكم بقصتي مثلما ألهمني الأخرون

بعد يوم طويل ومتعب، شعرت السيدة/ ماوية، بتشنجات قوية في عضلات الرقبة، تجاهلتها لفترة معينه ظناً منها انها حالة إرهاق عابرة ،لكن عندما استمرت هذه التشنجات وبدأت في إعاقة حركتها قررت ا الرعا الطبية.

بعد اجراء صورة أشعة للرقبة تم استبعاد أمراض العظام، ووصف لها الطبيب أدوية لإسترخاء العضلات ونصحها بالخضوع للعلاج الطبيعي. ولأنها عقدت العزم على عدم السماح لآلامها بالتأثير على عملها وإنتاجها، واصلت ماوية الذهاب إلى جلسات العلاج الطبيعي على الرغم من ملاحظة عدم حدوث تقدم في الحالة وازدياد الالم ، وأكملت  بعض الجلسات قبل أن تبدأ بالشكوى من ارتفاع حرارة جسمها.

  واصلت السيدة/ ماوية بحثها عن استشارة أطباء آخرين ،  ولكن أثناء هذه المرحلة شعرت أن الألم ينتشر رويداً رويداً إلى أطرافها كما وصل إلى الحوض وبدأ بإعجازها عن الحركة بشكل تدريجي. وبعد عدة اختبارات وإشاعات وتشخيصات متعارضة، تم تحويل السيدة/ ماوية إلى طبيب الأورام الذي طلب أشعة للثدي. وعندما تم العثور على كتلة في أشعتها، كانت ماوية في حالة من الإنكار، فلم تكن تدري كيف  انتشرت إلى العقدة الليمفاوية وسببت هذا الألم الذي وصل إلى العظام. لذا اتجهت للأشخاص المحيطين بها لتوجيهها نظراً لقلقها وارتباكها. و قدم لها العديد من الأصدقاء وأفراد العائلة اقتراحات حول طرق علاج مختلفة يمكن أن تجربها مثل الأعشاب والمكملات الغذائية والحجامة والوخز بالإبر. وبالرغم من تجربتها العديد منها، إلا أن كل هذه الطرق لم تجدي نفعاً ، وأخيراً  تواصلت مع بعض الأطباء للحصول على خزعة العقدة الليمفاوية.

دخلت السيدة/ ماوية المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان حيث زادت ألآمها وتضاعفت مما استدعى أخذ مسكنات قوية وتلقي تغذية وريدية لأنها شعرت بنفور قوي من الطعام وفقدت قدرتها على الحركة، ومع عدم وجود تشخيص مؤكد للحالة، بدأت ماوية باقناع نفسها بأنها مصابة بالسرطان وأنه لابد من عمل الخزعة للتأكد من ذلك، بالرغم أنها خضعت للعديد من الفحوصات والاشعاعات إلا انها لم تجزم إصابتها بالسرطان وكان لابد من الخزعة. بدأ الأمر كأنه إجراء بسيط للطاقم الطبي ولكن بالنسبة لها كان الأمر هائلاً، فهي المرة الأولى التي أخضع فيها إلى إجراء مماثل، فاخترت التخدير الموضعي خشية من مضاعفات التخدير الكلي، لكني لم أتوقع تأثير اليقظة علي خلال الإجراء، فلقد احتاجت بعد ذلك إلى طبيب نفسي لمساعدتي على التغلب على هذه التجربة “البسيطة” و”الكبيرة” في آن معا.

  مرت أيامها بطيئة جداً في انتظار نتيجة الخزعة، كان الطاقم الطبي يتحدث عن خطة العلاج، ولكنهم نسوا أن يشرحوا لها التشخيص أولاً، فقد افترض الجميع أنها تعرف مرضها بالفعل. أخبرها أحد الأطباء أنها محظوظة لأنها تملك مستقبلات جيدة للأدوية المستخدمة في علاج سرطان الثدي، ولكنها في تلك اللحظة لم تشعر أنها محظوظة علي الإطلاق، كان يدور في رأسها إعصار من الأسئلة، وكان منبع صدمتها أنها كانت تتبع أسلوب حياة صحي؛ فكانت تمارس الرياضة بإنتظام وتأكل أطعمة صحية ولا تدخن. ولذا انتابتها صدمة عارمة وشعور بالأسى، كما أنها لم تستطع فهم الكم الهائل من سبل العلاج والإجراءات التي كان من المفترض أن تمر بها لاحقاً نظراً لإنتشار المرض في جسدها ووصوله للمرحلة الرابعة من مراحله.

 أدركت السيدة/ ماوية مع الوقت أن هذا اختبار من الله وأن علاقتها مع خالقها قوية ويمكنها عبور هذه المحنة، فبدات بالتمعن في هذه الرسالة، هل كان هناك شيء تحتاج لتعلمه؟ هل ستنتهي رحلتها مع الحياة هنا أم لازال هناك ما ينبغي إنجازه؟ بدأت ترى الحياة من منظور اخر ووجدت للحياة معاني جديدة في كل جزء من رحلتها.

كان العلاج الإشعاعي مرهق ومتعب بل مخيف جداً بالنسبة لها ، لكن نوراً في قلبها جعلها تتذكر الآية القرآنية ”  قُلْنَا يَٰنَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ ” الأنبياء 69 ” ، فكانت تردد الآية مراراً وتكراراً حتى تنتهي جلساتها، مما ملئ قلبها بالطمأنينة وجعل الآثار الجانبية أسهل عليها.

  قالت السيدة/ ماوية أن رحلتها كانت لتكون أكثر صعوبة دون دعم الأشخاص المحيطين بها. كما أنها لم تنسى ما قدمه فريق العلاج الإشعاعي بالمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان من لطف واهتمام وعناية إنسانية، حتى مع جداولهم المكتظة لم يتوانوا أبداً عن توفير الوقت لضمان راحتها بأي طريقة ممكنة. فهي لم تنسى تلك الفتاة التي تعمل كأخصائي فني والتي لاحظت أن حجاب السيدة/ ماوية ينحسر عن رأسها فأخذت الوقت لتعديله على الرغم من أنها على ديانة أخرى. وقالت بالرغم من أن هذه اللفتات الصغيرة يمكن أن تبدو تافهة للبعض إلا أنها تترك وميضا براقاً داخل قلوب المرضى. وشئ آخر كان مشجع لها في رحلتها هي القصص الملهمة للناجين من السرطان التي كانت تقرأها شقيقتها لها طوال فترة العلاج. ولذا فهي تأمل أن تلهم قصتها الآخرين وأن تساعد على شفائهم.

  استمرت السيدة/ ماوية في الذهاب إلى المستشفى وتلقي العلاج الكيميائي وكان جميع العاملين في  المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان على أعلى مستوى من الكفاءة والعون واللطف مما سهل عليها مراحل العلاج جميعها.

بدأت ماوية تنصت إلى جسدها جيداً، وفضلت عدم الإصغاء للنصائح غير المرغوب فيها والمتضاربة من حولها ،فقد احست أن جسدها يطلب الأشياء التي يحتاجها من راحة وطعام  وصحة نفسية. فقد أدركت أهمية الرعاية الذاتية بعد سنوات من الاعتقاد أن حب الذات وإعطاء الأولوية للنفس ضرب من الأنانية . فهي  الآن تهتم بالأشياء التي تحبها  أكثر حيث تقرأ العديد من الكتب وتعلمت فن الكروشيه والتلوين أثناء مكوثها في السرير وتمارس التنفس التأملي واليوغا، كل هذه الأنشطة ساعدتها كثيراً في رحلة التشافي.

والرسالة الأهم التي أدركتها هي تقدير النعم اللتي تبدو صغيرة لكنها أكبر بكثير من أن نستطيع شكر الله عليها ، فقد فقدت في رحلة مرضها القدرة على المشي بمفردها وتناول الطعام والتذوق والشم والاستحمام والكثير من الأشياء الأخرى التي يعتبرها الإنسان من المسلمات ، بعضها بسبب المرض والبعض الآخر بسبب العلاجات المستخدمة في علاجه. لكن ولله الحمد اليوم وبعد ثلاث أعوام من تشخيص المرض استعادت ماوية حواسها وقدرتها على الحركة وعادت لتقوم بممارسة حياتها بشكل طبيعي والأهم من ذلك أنها أدركت قيمة الحياة وتعلمت أن كل يوم يعيشه الانسان هو عبارة عن هدية يجب تقديرها والاحتفاء بها ويجب أن يذكّر الإنسان نفسه بأن يتعامل مع جسده وعقله وروحه بإنسانية واحترام كما يتعامل مع أغلى أحباءه ، أدركت السيدة ماوية أن الإنسان يجب أن يستمتع بصحبة نفسه وتقديرها أكثر وفهمها، والأهم مسامحتها والعزم على أن تكون كل يوم أفضل من اليوم الذي سبقه، فعندما تحب نفسك وتقدر كل التجارب التي خضتها ،تستطيع أن تحب وتمتن لخالقك وتقدر كل ما حولك .

كل تجربة قاسية تخوضها في حياتك تنقلك إلى مستوى أعلى من الوعي الذاتي ،تُعيد ترتيب كيانك ، تجعلك إنساناً أكثر ثراء على المستوى الروحي و تصنع منك تحفة فنية تضيف لمسة سحرية للحياة التي تعيشها.

 قد يشتتك إعصار الألم الذي تمر به ،حلّق مع الريح حتى لا تكسرك ،ناجي الله بقلبك  سيرسل لك نوراً ينتشلك من العاصفة، حاول أن تكون مرناً ومارس شيئاً جديداً تحبه لكي ينسيك الألم حتى تمر الأزمة بهدوء وتجعلك إنساناً ولد من جديد مثل حجر من الألماس يزداد لمعاناً و ثراءً كلما صُقِل .

Share this post