سامي ,متعافي من السرطان : تغيرت نظرتي للحياة وأصبح للوقت قيمة أكبر
سأروي لكم حكايتي مع هذا المرض، ومنحي فرصة جديده للحياة والبقاء بعد تجربة مريرة بكل ما فيها وصعاب، لعل حكايتي تكون نقطة تحول لمريض فقد القوة والإرادة وأنهكه المرض والعلاج، وأكون سبباً في إعطاءه الأمل في الشفاء.
أنا اسمي سامي من الأردن ، انتقلت الى الدوحة في عام 2016 ومعي الأمل والخطط للبدء بمشروعي الخاص وتحسين الظروف المادية والاجتماعية لأولادي وعائلتي، حيث كنت الأب الحنون والمسؤول عن سعادة عائلتي، وكنت رياضي لا أدخن ومهتماً بصحتي.
بعد فترة من وصولي إلى الدوحة بدأت أشعر بتغير في نظر عيني اليمنى ورغم أن الفحوصات الخارجية للعين لم توضح السبب في ذلك! إلا أنه تم أجراء أشعة أم أر أي للدماغ.
وهنا كانت الصدمة الأولى حين تبين أن السبب المؤثر على نظري هو وجود بعض الأورام في الدماغ ثم أكتشف لاحقاً انتشاره في أعضاء مختلفة من جسمي وهي الكبد والغدة الكظرية والرئة والعمود الفقري وبدأ الكابوس المرعب .
لحظتها لم تعد قدماي تقوى على حملي، لم أتوقع يومًا أنى سأبدأ بحساب عدد أيامي المتبقية في الدنيا ولم أتخيل نفسي يومًا طريح الفراش في انتظار الموت.
أخدتني الأفكار بعيداً عن كل شيء في حياتي ، أهلي وأولادي وعملي ، فأنا بالدوحة بمفردي ، هل أستسلم للمرض وللموت بهذه البساطة ؟ هل أفتح الباب بكل سهولة لذلك اللعين لينهش في جسمي وقدرتي على الحياة ؟ .
لم ارى أمامي في تلك الأيام إلا الموت والذي لم يغب عن فكري ، فأتعبني جداً هذا الشعور ، حتى استوقفت نفسي وقلت ، لماذا التفكير بالموت وأنا لا ازال على قيد الحياة! لذلك قررت أن أقاوم وأعيش وأتعايش معه وأبعد كل التفكير أو مجرد التفكير بأن حياتي قاربت على الانتهاء وسأحتفظ بهذه المأساة بداخلي ، سأخفيها عن أهلي فلا أريد أن أحملهم فوق طاقتهم أو أشعرهم بأي ألم أو حزن لمعرفتهم بمرضي ، لذلك قررت أن أدعهم لحياتهم ودراستهم . وحتى زوجتي فلديها أعبائها ومسؤولياتها مع الأولاد ورعايتهم .
وبدأت رحلة العلاج الإشعاعي ثم الكيماوي وما أدراكم ما الكيماوي وأثاره السلبية على جسمي ونفسيتي , هذيان ، ضعف ، ألتهاب ، إسهال ، اكتئاب وغيره من كل الأثار الجانبية الشديدة .
وبدأ التغير يظهر على وجهي وجسمي من الكورتيزون والإشعاع وبدأت الأسئلة تتزايد على وجوه المحطين بي في عملي وبدأ يقل مجهودي وقدرتي على العمل وبدأ الجميع يعرضون مساعدتهم، لكن قراري عدم أخبار أحد ، لن أتراجع عن قراري ، ورفضت كل المساعدات ولم أتوقف عن العمل برغم ما كنت أعانيه من إرهاق وألم وتحملت بكل حب وقناعة بالمكتوب وأن أرادة الله فوق كل شيء .
استمريت مع العلاج بالكيماوي فترة من الزمن وكانت تحلو لي فترة بقائي في المستشفى رغم ما كنت أعانيه ورغم كل ما أرى من معاناة باقي المرضى حولي ولكنى كنت أجعلها فرصة لخلق جو من الاستمتاع والهدوء فكنت أجلس في حديقة المستشفى في الهواء الطلق وأتبادل أطراف الحديث مع الممرضين وباقي المرضى وكنت أحمد الله أن المركز كان خالٍ من أي أطفال مرضى لأنى لا أتحمل رؤية طفل مريض فما بالك لوكان مريض بالسرطان ؟ وأنا أعرف كم المعاناة صعبة.
استمريت في العلاج بصبر وجهد وكنت أقاوم وأقاوم ، وبدأت في الانتصار وبدأ يتراجع المرض بفضل الله وبدأت التحاليل تظهر نتيجة إيجابية بعد مرحلة العلاج الكيماوي ، وبعدها بدأت مرحلة العلاج المناعي وبدأ الخير يظهر والأمل يتحقق وتدب الحياة والقوة مرة أخرى في جسدي المتعب الذى أنهكه العلاج ، نعم أنهكه لكنه لم ينتصر عليه وبدأ التفاؤل .
كل هذا تم دون أن أخبر أحداً من أفراد عائلتي ،تحملت بنفسي القدر الكبير من التعب الجسدي والنفسي.
وخلال تلك الفترة بدأت تنفذ مني كل الأعذار بعدم سفري لبلدي وأهلي ، كما كان في السابق خاصة في الأعياد والمناسبات وبدأت زوجتي تشعر أن زوجها في حالة من التغير فاضطررت ان اصارحها بحالتي وبكل ما حصل ، لم تتوقع أن أكون أنا والموت على مسافة قريبة .
طلبت منى زوجتي أن أعود فوراً ولكني رفضت وطلبت منى أن تترك هي كل شيء وتأتى لي فرفضت وأقنعتها بضرورة وأهمية بقاءنا على نفس الوضع واستمراري بالعلاج وتستمر هي برعاية الأولاد واستمرار الحياة ، بقي الحال في التطور إلى الأفضل بفضل الله ثم المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان
ونصيحتي هنا لكل من يصيبه هذا المرض بالالتزام بالعلاج ولا يفقد الأمل ولا يلتفت إلى النصائح الأخرى التي يعتقد الأخرون أنها تشفى من السرطان .
وبعد تحقيق نتيجة جيده جدًا بالعلاج المناعي قل تواجدي في المركز، وتماثلت للشفاء بصورة كبيرة وبعد مده بسيطة سافرت لزيارة أهلي وأخبرت الجميع خاصة أمي ، ولكنى طمأنتها بأني أتعالج وفي ايدي أمينة وبأنه أفضل كثيرًا من أن أكون في أي مكان أو بلد أخر.
في هذا الوقت قررت وضع نقطة نهاية هذا السطر من حياتي وأبدأ من جديد سطر وصفحة أخرى مشرقة ، خرجت من تلك التجربة إنسان جديد ولدت من جديد بعد شفائي وتجددت نظرتي للحياة، فأصبح للوقت والأيام قيمة أكبر ،وأن العزيمة والإرادة والرغبة في الحياة والثقة في الله هي السبيل الى الشفاء وألا نفكر بالموت طالما نحن على قيد الحياة. وبالنهاية، الرياضة والنوم الكافي والأكل الصحي هي طريقنا جميعاً لحياة صحية.